تصدر صندوق النقد الدولي بصورة غير مفهومة عناوين الأخبار، ودفع الأسواق للتحرك صباح يوم الخميس الماضي عندما قال «إن على مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) أن يتريث حتى العام المقبل قبل رفع أسعار الفائدة». ومن غير المعتاد أن يعلق «صندوق النقد» علانية وبصورة محددة على السياسات في الولايات المتحدة، أكبر المساهمين في الصندوق، وأكبر اقتصاد عالمي، ومصدر عملة الاحتياطي النقدي العالمي. وفيما يلي أربعة أمور لابد من معرفتها بشأن هذه التصريحات، التي من المرجح أن تتردد أصداؤها خلال الأسابيع المقبلة: - على رغم أن محتوى التصريحات يعتبر مثيراً للجدل، إلا أنه تم الإدلاء بها في سياق طبيعي وروتيني. وكانت التصريحات جزءاً من مشاورات البند «الرابع» الدورية التي يجريها صندوق النقد الدولي مع دوله الأعضاء الـ188، لمراجعة التطورات والآفاق الاقتصادية والتداعيات السياسية. وفي ختام تحليلات ومناقشات البيانات مع سلطات الدول، يعد موظفو الصندوق (وفي حالة الولايات المتحدة، إدارة الصندوق أيضاً) بياناً يوضع ضمن التقارير التي تمت مناقشتها من قبل مجلس الإدارة التنفيذي للمؤسسة ثم يتم إصداره لاحقاً. - كان محتوى تعليق صندوق «النقد الدولي» غير معتاد بطرق شتى، ولكن الأكثر مدعاة للملاحظة أن التعليق كان دقيقاً بشأن توقيت إجراء سياسي بالغ الحساسية، على رغم سلاسة البيانات الأميركية. وتبرز أهمية التعليق أيضاً في إشارته إلى أن «المركزي الأميركي» يمكن أن يتجاوز بصورة مؤقتة عن هدف التضخم، دون وقوع ضرر. - وتتعارض أيضاً تصريحات صندوق النقد الدولي مع الجهود المنسقة من قبل «المركزي الأميركي» لمواجهة هوس الأسواق بشأن توقيت الانطلاقة الأولى في دائرة رفع أسعار الفائدة. وفي إطار ما أصفه بـ«عملية التشديد الأكثر تيسيراً» في تاريخ البنوك المركزية المعاصر، خرج مسؤولو البنك المركزي الأميركي عن أسلوبهم المعتاد في محاولة لإقناع الأسواق بأن التوقيت أقل أهمية بكثير من حقيقة أن الطريق إلى رفع أسعار الفائدة وعر ومرتبط بظروف أخرى، بدرجة يمكن أن تؤدي في النهاية إلى سياسة أسعار فائدة أقل من المتوسط التاريخي. وعلى النقيض، جعل صندوق النقد الدولي توقيت رفع أسعار الفائدة موضع اهتمام كبير، الأمر الذي يسهم دون قصد في تذبذب الأسواق بدرجة كبيرة. - ومن الممكن أن يكون تحرك صندوق النقد الدولي غير المعتاد ناجماً عن ثلاثة اعتبارات. والاعتبار الأول متسق مع دور الصندوق بصفته مؤسسة متعددة الأطراف لديها عضوية شبه عالمية، ومن ثم ربما يسعى الصندوق إلى إضافة بعد دولي إضافي لمناقشات سياسات البنك المركزي الأميركي، بما في ذلك مخاوف أن يكون الاقتصاد العالمي أضعف من المخاطرة بصدمة أسعار فائدة ذات صلة بالولايات المتحدة. والاعتبار الثاني، الذي يتسق مع الموقف الصارم نسبياً الذي اتخذه صندوق النقد الدولي تجاه الاتحاد الأوروبي بشأن اليونان، هو أن الصندوق ربما يتطلع إلى أن يصبح أكثر صرامة مع كبار مساهميه الذين أخطأوا بصورة مفرطة في استغلال المؤسسة سعياً وراء أهداف سياسية. وأما الاعتبار الثالث والأخير، فهو أن الصندوق ربما يتلهف إلى إظهار أن بمقدوره أن يكون صريحاً مع كافة أعضائه، خصوصاً في ظل تعليق الإصلاحات التي تحظى بتأييد واسع النطاق حول نظام التصويت والتمثيل في المؤسسة، داخل الكونجرس الأميركي. وبالطبع، تراجع تأثير تصريحات صندوق النقد الدولي مع إصدار مزيد من البيانات الأميركية، بما في ذلك تقرير التوظيف في الولايات المتحدة عن شهر مايو الماضي. ولكن من المرجح أن تبقى هذه الحلقة حاضرة في أذهان مسؤولي السياسات الغربيين الذين لم يعتادوا على مشاهدة الصندوق يتخذ موقفاً حازماً علانية بشأن قضاياهم السياسية. وربما أن حزم الصندوق يمكن أن يساعد في إقناع الكونجرس الأميركي بالمضي قدماً في إقرار الإصلاحات التي طال انتظارها، والتي تكتسي أهمية جوهرية فيما يتعلق بفعالية ومصداقية الصندوق، وحيوية الاقتصاد العالمي. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»