لقد أكد بنيامين نتنياهو، قبل الانتخابات، أنه، خلال فترة ولايته، لن تكون هناك أبداً دولة فلسطينية. ثم تراجع تالياً عن هذا الكلام. ولكن، السياسة التي اتبعها منذ توليه قيادة الحكومة الإسرائيلية، تثبت أنه يضمر نية حقيقية بألا تكون هناك أبداً دولة فلسطينية. ولذا فإن تصريحه ذلك لم يكن في الواقع هفوة لسان، وإنما كان تعبيراً صريحاً عما استقر في صدره. ولاشك أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي الأكثر يمينية، في تاريخ إسرائيل، بل إنها مندرجة في خانة أقصى اليمين المتطرف. ومن عادة إسرائيل أن تعرّف نفسها بأنها هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ولكن حكومتها الجديدة تضم أيضاً وزراء عنصريين بصريح العبارة، عرف بعضهم بإصدار تصريحات عدائية محمومة ضد العرب. ولاشك أن باراك أوباما المناهض لنتنياهو يعي تماماً أن عدم ظهور أية بارقة أمل لاتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني يعتبر قنبلة استراتيجية موقوتة، من شأنها إلحاق أكبر ضرر بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة. ولكنه، إن تجنب استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض فلن يكون في مقدوره أيضاً ممارسة ضغط مؤثر عليه، وحتى إن أراد فسيحول الكونجرس بينه وبين ذلك. وإذن فستستمر الولايات المتحدة في توفير دعم اقتصادي وعسكري لإسرائيل، في حين لا تقيم هذه الأخيرة أدنى اعتبار لانتقادات واشنطن الموجهة لسياستها. وهذا استثناء فريد ووحيد، لحالة بلد محمي من طرف بلد آخر، ومع ذلك يتبع بفجاجة سياسات مخالفة لما يتمناه البلد الذي يحميه. ويراهن نتنياهو الآن طبعاً على الوقت، فهو ينتظر بصبر الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في 2016. فإذا فاز فيها مرشح جمهوري فسيبدأ شهر عسل آخر جديد بين واشنطن وتل أبيب. وإن فازت أيضاً هيلاري كلينتون ببطاقة الترشيح الديمقراطية فلن يكون لدى نتنياهو ما يدعوه للقلق. ويتهم الجمهوريون، مخطئين، باراك أوباما، بأنه قد خذل إسرائيل وقلب لها ظهر المجن. ويتبارى الآن مرشحو التصفيات الأولية الجمهورية في إطلاق التصريحات الداعمة لإسرائيل، دون أدنى أخذ لمسافة أمان سياسي، في مزاد مفتوح من تملق رضا تل أبيب. وفي المقابل، في حال اختيار هيلاري كلينتون كمرشحة عن الحزب الديمقراطي فلن يكون أيضاً لدى نتنياهو كثير مما يمكن أن يخشاه. ولعل نقطة الإحباط الوحيدة التي يمكن أن تخامره هي: أن هيلاري كلينتون سيتعين عليها الاستمرار في تنفيذ اتفاق حول النووي مع إيران، وهو ما يجمِع المترشحون الجمهوريون على الاستعداد لنسفه، من الأساس. وكانت هيلاري قد وجهت انتقادات جوفاء لسياسة أوباما الخارجية قائلة إن مبدأ الامتناع عن فعل أشياء غبية ليس مبدأ تنظيمياً أو مؤسِّساً في مجال العمل السياسي. كما أنها تبدو أيضاً أكثر حزماً مع روسيا، حيث لم تتردد في المقارنة بين بوتين وهتلر! وخلال حرب غزة في صيف 2014، أظهرت هيلاري أيضاً دعماً قوياً للحكومة الإسرائيلية، هذا في حين كان موقفها أكثر تحفظاً عندما كانت وزيرة للخارجية. وقد صرحت قائلة: «أعتقد أن إسرائيل قد فعلت ما يتعين عليها فعله للرد على إطلاق المقذوفات. لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها». وعندما تطرقت للخسائر البشرية الناجمة عن القصف الجوي قالت أيضاً بذات النبرة المنحازة: «لقد حاولت الولايات المتحدة، أن تكون حذرة قدر الإمكان لضمان عدم المساس بالمدنيين(…) وقد وقعت أخطاء لا يمكن تفاديها(…) نحن أيضاً، وقعنا في مثل تلك الأخطاء. إنني لا أعرف أية أمة واحدة، مهما تكن قيمها -وأعتقد أن الديمقراطيات هي التي تجسد عادة أفضل القيم خلال النزاعات- لم تقع في أخطاء. وفي النهاية، فالمسؤولية عن هذا النزاع تقع على «حماس»». وأضافت هيلاري مستطردة: «لا يخامرني أدنى شك في أن «حماس» هي التي بدأت هذا النزاع(…) ومن هنا فإن المسؤولية الكاملة تقع على «حماس»، وبسبب القرارات التي اتخذتها». بل إنها مضت أبعد من ذلك حين رأت أن طوفان الانتقادات الموجهة لسلوك إسرائيل، طيلة حرب غزة، يمكن تفسيره بنزعة اللاسامية، حيث قالت في غمرات حجاجها: «من الصادم حقاً رؤية أكثر من 170,000 قتيل في سوريا، ورؤية روسيا تحشد الكتائب، ومع هذا نشهد ردود فعل دولية عارمة ضد إسرائيل وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وطريقتها في فعل ذلك. إن هذه الردود غير مبررة(...) إنها مشكلة إسرائيل القديمة مع العلاقات العامة. نعم، هنالك مستويات عميقة من العداء أو اللاسامية تجاه إسرائيل، لأنها دولة قوية، وجيش مؤثر جداً». وفي ضوء كل هذا يبدو نتنياهو، في المدى القريب، هو الرابح. ولذا يمكنه أن يمضي قدماً دون خشية من حساب أو عقاب لسياسته. ولكن، في المدى البعيد، لاشك أن نتائج هذا العمى السياسي ستكون كارثية للجميع، ولا يمكن إلا أن تغذي نزعات المتطرفين. ومن يزرع الريح لا يجني سوى العاصفة.