يشير مصطلح أو مفهوم التنوع الحيوي إلى حضور عدة أشكال من الحياة بصورها المختلفة، نباتات، وحيوانات، وكائنات مجهرية، في بيئة ما. وبما أن كل صورة من صور الحياة تلك، هي عبارة عن تركيبة وراثية فريدة، استغرق تكوينها على شكلها الحالي عشرات ومئات الملايين من السنين، يمكن أن نعتبر أن التنوع الحيوي هو أيضاً مجموعة فريدة -لا تقدر بثمن- من التركيبات الوراثية الجينية، المختلفة، والمتشابهة إلى حد ما في الوقت نفسه. وتأتي أهمية التنوع الحيوي من أن البيئات الطبيعية (Natural Environment) هي عبارة عن حالة من التوازن بين التركيبات الوراثية المختلفة (أشكال الحياة)، بحيث غالباً ما يعتمد بقاء شكل من أشكال الحياة على وجود أشكال أخرى من الحياة في بيئته نفسها، ولذا يمكن أن يؤدي انخفاض التنوع الحيوي في بيئة ما، إلى تداعي النظام البيئي، وانهياره بالكامل. وكما تعتمد الحيوانات والنباتات على بعضها بعضاً في البقاء والاستمرار، يعتمد أيضا أفراد الجنس البشري على التنوع الحيوي، للاستمرار في الحياة، وللحفاظ على صحتهم، والوقاية من الأمراض والعلل. فالهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه، والغذاء الذي نتناوله، والأدوية التي نستخدمها، هي نتاج للتنوع الحيوي للكوكب الذي نعيش عليه. ولكن للأسف، يتعرض عالمنا، وما يحتويه من أشكال مختلفة للحياة، لتهديدات خطيرة، تتمثل في التلوث، واجتثاث الأشجار وفقدان الغابات، وفي شكل تزايد كميات غازات البيت الزجاجي المسؤولة عن ارتفاع حرارة الطقس والمناخ، وفي شكل تجفيف الأهوار، وبقية التأثيرات السلبية للعولمة ولنمط الحياة الحديثة، وهي كلها عوامل تؤدي لانقراض الكثير من أنواع الحيوانات والنباتات، والقضاء عليها بشكل لا رجعة فيه، وبمعدلات غير مسبوقة مقارنة بذي قبل. ويتأثر الإنسان، مثل باقي الكائنات الحية، بتدهور وتراجع التنوع الحيوي، وخصوصاً على صعيد صحة الفرد وصحة المجتمع. فالعديد من التحديات الصحية التي نواجهها الآن، بما في ذلك انتشار الأمراض الُمعدية، والمجاعات وسوء التغذية، وحتى الأمراض غير المعدية، تتصل جميعها بشكل أو آخر بتراجع التنوع الحيوي، وبتدهور البيئات الطبيعية. فعلى سبيل المثال، إذا ما أخذنا أحد أخطر الأمراض المعدية وأكثرها انتشاراً، أي الملاريا، فسنجد أن حشرة البعوض، التي تنقل هذا المرض من شخص إلى آخر، يساعد اجتثاث الأشجار وإزالة الغابات على انخفاض التنوع الحيوي بين أنواعها المختلفة، بشكل يسمح ببقاء وازدهار الأنواع الأقوى والأخطر، وهي نفس الأنواع المسؤولة في أغلب الحالات عن نقل طفيلي المرض. وعلى المنوال نفسه، يؤدي الوقع والأثر الهائل للنشاطات البشرية على البيئات الطبيعية، إلى تقريب المسافات بشكل يسمح باتصال مباشر بين المجتمعات البشرية وبين الحياة البرية، وما تحتويه من أمراض حيوانية خطيرة، مثل فيروس «الإيبولا». وفي الوقت الذي يشهد فيه تعداد سكان العالم تزايداً مطرداً، تزداد حدة المنافسة على الأراضي الزراعية والمصادر المائية، اللازمين لسد الاحتياجات الغذائية، والاحتياجات من الطاقة، وأماكن السكن والمعيشة. ولذا، يحتاج الإنسان إلى التنوع الحيوي، في شكل أنواع متعددة من النباتات والحيوانات، لسد احتياجاته الغذائية، بشكل يقي المجتمعات البشرية من سوء التغذية، حيث يوفر التنوع الحيوي الغني للبيئات الطبيعية وسائل وطرقاً طبيعية للتحكم في الآفات والحشرات، كما يوفر للتربة المغذيات الضرورية لإنتاج محاصيل وافرة، وللعديد من المحاصيل والأشجار الزراعية، مثل أشجار الزيتون واللوز، وأشجار التفاح، طريقة طبيعية وفعالة لتلقيح ثمارها وزيادة إنتاجها. ويكتسي التنوع الحيوي أهمية خاصة بالنسبة لوصفات الطب الشعبي التقليدي، ولصناعة الأدوية والعقاقير الطبية بوجه عام، حيث تشكل النباتات حالياً أهم مصدر للأدوية المستقاة من مصادر طبيعية، مثل الأسبرين، والعديد من العقاقير الأخرى المستخدمة في علاج بعض أنواع الأمراض السرطانية. وغني عن الذكر هنا، أن هذه العملية، أو الاعتماد على النباتات لاستخلاص الأدوية والعقاقير، لا تحمل في طياتها فقط فوائد صحية وطبية فقط، بل تترك أثراً اقتصادياً إيجابياً، هائل الحجم أحياناً، على المجتمعات التقليدية التي يُستقى من تراثها وثقافتها الطبية الشعبية، العديد من التطبيقات الطبية الحديثة المعتمدة على أنواع الحياة المختلفة الموجودة في محيط بيئاتها الطبيعية. وهو ما يعني أن فقدان أشكال الحياة تلك، من خلال الانقراض وتراجع التنوع الحيوي، وبخلاف كونه فقداناً لمصدر طبيعي لعقاقير وأدوية يمكنها أن تترك بصمة واضحة في معركة الإنسان الأبدية مع الصحة والمرض، يمكن أيضاً أن يترك أثراً اقتصادياً سلبياً متعدد الجوانب على المجتمعات المحلية.