ربما أكثر ما يحيّر المرء بشأن الأزمة اليونانية الحالية هو مدى عناد زعماء البلاد، ولكن ألا يدركون أنهم بعنادهم ذاك إنما يقدِمون على انتحار اقتصادي بسبب رفضهم تقديم مزيد من التنازلات لدائني البلاد؟ فما هي خطتهم؟ «هانس ويرنر سين»، رئيس معهد «آيفو» للأبحاث الاقتصادية في ميونخ ومستشار الحكومة الألمانية، لديه جواب مخيف على هذا السؤال. فهو يرى أنه كلما استمر رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس ووزير ماليته يانيس فاروفاكيس في لعبة توزيع الأدوار بينهما، كلما زادت منطقة «اليورو» من تعميق الحفرة المالية التي تقع فيها، وهو ما يريده اليونانيون بالضبط. ويرى «سين» أن ذلك يحدث عبر تمويل فرار رؤوس الأموال اليونانية، الذي تسمح به حكومة تسيبراس بشكل متعمد. إنه جزء من هواجس تنتاب «سين» منذ وقت طويل بخصوص موازنات البلدان في نظام الدفع بين البنوك التابع لمنطقة اليورو «تارجت 2». وكما كتب «سين» في مقال مؤخراً، فإن فرار رؤوس الأموال اليونانية يموَّل، عملياً، من قبل البنك المركزي الأوروبي، حيث يقوم هذا الأخير بتوفير المال للبنك المركزي اليوناني حتى يحافظ على سيولة البنوك المحلية (جدير بالذكر هنا أن السقف الحالي بخصوص المساعدة حُدد في 80,2 مليار يورو، أو ما يعادل 88,4 مليار دولار). وبعد ذلك، يقوم زبائن البنوك اليونانية بنقل السيولة إلى خارج البلاد. وفي هذا الإطار، كتب «سين» يقول: «إن انسحاب اليونان من منطقة اليورو لن يضر بالحسابات التي فتحها مواطنوها في بلدان أخرى من هذه المنطقة- ناهيك عن أن يتسبب في خسارة اليونانيين للودائع والممتلكات التي اشتروها بتلك الحسابات- ولكنه سيترك البنوك المركزية لتلك البلدان في مأزق جراء مطالبات المواطنين اليونانيين بمستحقاتهم المقومة باليورو من البنك المركزي اليوناني، الذي ستكون لديه أصول مقومة بالدراخما، العملة اليونانية القديمة التي سيسُتأنف العمل بها! وبالنظر إلى الانخفاض الحتمي لقيمة العملة الجديدة، إلى جانب حقيقة أن الحكومة اليونانية لن تكون مضطرة لدعم دَين بنكها المركزي، فإن الإعلان عن عجز عن الوفاء بالالتزامات المالية يتسبب في حرمان البنوك المركزية الأخرى من حقوقها سيكون شبه أكيد». ويحاجج الخبير الاقتصادي الألماني بأن الحكومة اليونانية إنما تماطل وتتلكأ عن قصد، وذلك حتى تسمح بتكريس وتعميق سلبية الموازنة المستهدَفة، وهو الأمر الذي سيزيد من احتمال ظهور تداعيات سلبية بالنسبة لأوروبا إن هي لم تقم بتخفيف الضغط على اليونان من أجل تبني إصلاحات وتسديد ديونها، وبالتالي تعزيز موقفها التفاوضي. وهذا السيناريو سيمثل إطراء لاستراتيجية فاروفاكيس، إذ يشير إلى أنه فاق زعماء ألمانيا وفرنسا ذكاء في المفاوضات حول الديون. ذلك أنه في حالة عجز اليونان عن الوفاء بالتزاماتها المالية بخصوص الموازنة المستهدفة، فإن البنك المركزي الأوروبي قد يصبح في حاجة إلى إعادة رأسملة. وحسب حصصهما في رأسمال البنك المركزي الأوروبي، سيتعين على ألمانيا في تلك الحالة أن تساهم بـ25,6 في المئة وفرنسا بـ20,1 في المئة من المبلغ المطلوب. ولكن هذا يعني أن انكشافهما ازداد بين يناير وأبريل بـ10,4 مليار يورو- وهو ثمن باهظ جداً بسبب الإصرار على مطالبة اليونان بتقديم مخطط إصلاح يتصف بالانسجام والتماسك. بيد أنه وخلافاً لما يعتقد «سين»، فإن الوقت ليس إلى جانب اليونان: ذلك أنها إذا أصبحت تفتقر إلى السيولة اللازمة لدفع المرتبات والمعاشات، مثلما قد يحدث اعتباراً من هذا الشهر، فإن إعلاناً عن عجزها عن الوفاء بالتزاماتها المالية لن يفيدها كثيراً. ليونيد برشيدسكي محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»