حين يتعلق الأمر في السياسة الخارجية الأميركية بالمكسيك، فلا مجال لتركه للهوات من عديمي الخبرة والتجربة. فالولايات المتحدة المكسيكية تعد خامس أكبر بلد في الأميركتين بمساحتها البالغة 1.97 كم مربع، وعدد سكانها الذي يصل 113 مليون نسمة، علاوة على ناتجها المحلي الإجمالي البالغ 1.8 تريليون دولار. وهي إحدى القوى الاقتصادية الناشئة ذات الاقتصادات الصناعية الجديدة.. لكنها تعاني من استشراء العنف والفساد ومن الحرب الطويلة ضد كارتيلات تجار المخدرات على مناطق الإنتاج وطرق التصدير. ومعظم هذه الطرق على اتصال بالحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة، وهي الحدود الأطول في العالم، إذ تمتد على 3169 كيلومتر، ويعبرها سنوياً 250 مليون شخص، وقد قامت الولايات المتحدة ببناء جدار عازل على هذا الامتداد الطويل، لمنع تهريب المخدرات والأسلحة إلى داخل أراضيها، وللحيلولة دون تسلل المهاجرين غير الشرعيين إليها، كما سيّرت آلاف الدوريات الخاصة، واستخدمت أحدث أنظمة تكنولوجيا المراقبة الرقمية.. فعصابات تهريب المخدرات والأسلحة تنتشر على طول الحدود، والهجرة غير الشرعية تشكل تهديداً للاقتصاد الأميركي، وتقلل فرص الأميركيين في الحصول على وظائف. لكن بما أن تلك الإجراءات لم تحقق كل ما هو مطلوب منها إلى الآن، فماذا يمكن للسفيرة الأميركية الجديدة في مكسيكو، روبرت جاكوبسون، إضافته في هذا الشأن؟ ومن هي جاكوبسون، الإنسان والدبلوماسي الأميركي؟ جاكوبسون دبلوماسية تقلدت عدة وظائف في الخارجية الأميركية منذ التحاقها بها قبل أكثر من ربع قرن، حيث اكتسبت خبرة في شؤون أميركا اللاتينية وفي القضايا الإنسانية ومكافحة المخدرات. وهي تشغل حالياً منصب مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة لشؤون نصف الكرة الغربي، وقد رشّحها أوباما يوم الجمعة الماضي لتصبح أول سفيرة للولايات المتحدة الأميركية في المكسيك. وقد ولدت «روبرتا أس. جاكوبسون» عام 1962، وأنهت المرحلة الأولى من تعليمها العالي في جامعة براون، ثم قضت الفترة بين عامي 1982 و1984 في مركز الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية والشؤون الإنسانية، قبل أن تلتحق بمدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس، حيث حصلت على درجة الماجستير في القانون والدبلوماسية عام 1986. وبعدئذ عملت في مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة عام 1988، وفي العام التالي انضمت إلى وزارة الخارجية الأميركية، وعملت كمساعد خاص لوزير الخارجية لشؤون نصف الكرة الغربي، ثم أصبحت المساعد التنفيذي لمساعد وزير الخارجية عام 1992، وكانت منسقة الشؤون الكوبية في الوزارة. وبعدئذ تم تعيينها مديرة لمكتب تخطيط السياسات والتنسيق في إدارة شؤون نصف الكرة الغربي خلال الفترة بين عامي 1996 و2000، وكانت معنية بقضايا العلاقات المدنية العسكرية، وحقوق الإنسان، والمساعدات الخارجية، ومكافحة المخدرات في نصف الكرة الغربي. وعُينت جاكوبسون في عام 2000 نائباً لرئيس البعثة الدبلوماسية بسفارة الولايات المتحدة في ليما، عاصمة البيرو، لكن تعيينها تسبب في إثارة جدل كبير ضد إدارة بوش الابن في عامها الأول، إذ لم تكن جاكوبسون حينها عضواً في السلك الدبلوماسي الأميركي، كما لم تكن ذات خبرة سابقة في إدارة السفارات. وفي بيان أعلنت فيه تراجعها عن التعيين، اعترفت وزارة الخارجية الأميركية بأن اختيار جاكوبسون لذلك المنصب انطوى على انتهاك للوائح وعلى إخلال بالاتفاق مع «رابطة الخدمة الخارجية» الأميركية. وبعد عودة جاكبسون من ليما، تم تعيينها مديراً لمكتب الشؤون المكسيكية في زارة الخارجية في ديسمبر 2002، وهو المنصب الذي بقيت فيه حتى يونيو 2007، حين عُينت نائباً لمساعد وزير الخارجية لشؤون كندا والمكسيك وقضايا «نافتا». ثم أصبحت نائب المساعد الرئيسي لوزير الخارجية لشؤون النصف الغربي من الكرة الأرضية في ديسمبر 2010. وعندما غادر «أرتورو فالنزويلا» مكتب شؤون نصف الكرة الغربي، أصبحت جاكوبسون مساعد وزير الخارجية بالوكالة لشؤون نصف الكرة الغربي. ثم عيّنها الرئيس أوباما رسمياً في هذا المنصب وأدت اليمين الدستورية فيه يوم 30 مارس 2012، وتم تكليفها ضمن الوفد الأميركي إلى هافانا لإجراء محادثات تاريخية مع الحكومة الكوبية في يناير الماضي، وكانت من المؤيدين لخيار الانفتاح على كوبا وتبادل السفارات بينها وبين واشنطن، الخيار الذي تبنته إدارة أوباما أخيراً. ثم جاء تعيينها سفيرة للولايات المتحدة لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب الذي تعاقب عليه 80 رجلا خلال 205 سنوات الماضية. وكان أول سفير للولايات المتحدة لدى المسكيك بعد استقلالها عن إسبانيا عام 1821 هو جيول روبرتز بوينست الذي عينه الرئيس جون آدامز برتبة وزير في مكسيكو عام 1925. وقبل ذلك كانت إدارة الرئيس جيمس ماديسون قد عينت ثلاثة مبعوثين لها لدى المكسيك خلال حرب الاستقلال المكسيكية (1810 -1821). وربما يساعد تعيين جاكوبسون سفيرةً أميركية في المكسيك، على إحداث تغيير في مقاربة الولايات المتحدة الأميركية حيال الولايات المتحدة المكسيكية، وهي المقاربة القائمة على التحسب والحذر، بذريعة التحوط لمخاطر تهريب المخدرات والسلاح والهجرة غير الشرعية، باتجاه مقاربة تكاملية وسياسات أكثر مرونة. وإذا ما صدّق مجلس الشيوخ الأميركي على قرار تعيين جاكوبسون خلال الأسابيع القليلة القادمة، فمن المتوقع أن تغير الولايات المتحدة سلوكها حيال بلد آخر في أميركا اللاتينية، لكنه يجاورها مباشرة، ويُعدّ جغرافياً ضمن أميركا الشمالية. محمد ولد المنى