عشية الانتخابات البرلمانية التركية، ومع استمرار تدخلات أردوغان في هذه الانتخابات، باعتباره رئيساً للجمهورية، فإن ظروف الاقتراع أصبحت أكثر حساسية وتعقيداً، لاسيما أن المحكمة العليا التركية أصدرت حكماً قبل أيام قليلة ضد أردوغان، وهو ما قسّم الشعب وأفقد «حزب العدالة والتنمية» كثيراً من مناصريه. وجاء في الحكم أن بناء أردوغان للقصر الجديد كان غير قانوني، كما تم إلغاء جميع الأحكام الخاصة التي أصدرها أردوغان حول بناء هذا القصر. لقد وجه القضاء التركي ضربة لأردوغان حين اعتبر بناء قصره الرئاسي المثير للجدل غير قانوني، إذ قضت المحكمة الإدارية العليا بعدم قانونية بناء القصر لأنه شيد على محمية طبيعية. وكان أردوغان قد افتتح «القصر الأبيض» الذي بلغت كلفته 650 مليون دولار، ويحوى أكثر من 1100 غرفة، العام الماضي في أنقرة، في ظل انتقادات شديدة من جانب المعارضة، وكانت بعض المؤسسات المهنية والبيئية مثل نقابة المهندسين قد قدمت احتجاجاً قانونياً على بناء القصر، قائلة إنه بُني على أرض محمية طبيعية. إن الانتخابات البرلمانية الحالية في تركيا لها ظروف خاصة في ظل رئاسة أحمد داوود أوغلو للحزب الحاكم بعد تنحي أردوغان عن رئاسة الحزب وتوليه رئاسة الجمهورية، وخاصة بعد الانتقادات التي أحيطت برئاسة الحزب وبممارسات أردوغان في رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى أن هذه الانتخابات ستعيد إلى الواجهة بشكل حتمي القضية الكردية، خاصة أن «حزب الشعب الديمقراطي» الكردي يسعى لنيل أكثر من 10?. ورغم أن ذلك سيكون صعباً، فإنه ليس بالأمر المستحيل، فقد أصبح الساسة الأكراد أكثر جرأة وتحدياً لخصومهم، كما أن هذه الانتخابات ستكون حاسمة لأهم حزب معارض في تركيا، وهو «حزب الشعب الجمهوري» الذي مني بخسائر كبيرة في الانتخابات السابقة ويحاول تحقيق مكاسب في الانتخابات الحالية. ومع توقعات بخسارة «حزب العدالة والتنمية» لأغلبيته في البرلمان، حسب آخر استطلاعات للرأي، يحاول أردوغان استغلال خطاباته الدينية والقومية لمنع خسارة أكبر، وفي آخر خطاب له أمام حشد من مؤيديه، في الاحتفال بذكرى فتح اسطنبول، استشهد أردوغان بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، وقال إن حزبه لن يتراجع أمام أولئك الذين يريدون إخماد شعلة الفتح المشتعلة في اسطنبول منذ عام 1453 عندما فتحها العثمانيون. ومع موعد الانتخابات، تقع الحكومة التركية تحت ضغط الرأي العام ووسائل الإعلام أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد نشر صور لشاحنات تحمل الأسلحة إلى الإرهابيين داخل سوريا بأمر من الحكومة التركية، وبعد نشر هذه الصور تعرضت الحكومة للانتقادات من قبل شخصيات وأحزاب عديدة، وتدريجياً تحول هذا الموضوع إلى ورطة للحكومة وأردوغان، ما جعل «حزب العدالة والتنمية»، الذي يسعى للسيطرة على ثلثي مقاعد البرلمان بغية تغيير النظام في البلاد من برلماني إلى رئاسي، يخسر شعبيته. ثم زادت الضغوط على أردوغان والحكومة التركية بعد الكشف عن تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يفيد بأن أنقرة لم تلتزم بتنفيذ توصيات الوكالة، وجاء هذا التقرير في 98 صفحة، وتم تسليمه للمسؤولين الأتراك في 20 فبراير 2014، لكن لم يتم نشره. ومن العقبات الكبيرة التي ستعترض أهداف حزب أردوغان، أن الأحزاب السياسية في تركيا، خاصة التحالف الثلاثي بين أحزاب «الشعب الجمهوري» اليساري (أكبر الأحزاب المعارضة) و«الحركة القومية» والوافد القوي الجديد «الشعب الديمقراطي» الكردي، باتت أكثر جدية وجرأة في سعيها لتحقيق أكبر المكاسب. كما أن الشعب التركي يشعر بحالة من التراجع الاقتصادي والتردي الاجتماعي والثقافي بسبب سياسات «العدالة والتنمية» متمثلة في التضييق وقمع الحريات الاقتصادية والاجتماعية، حيث فقدت الليرة التركية 20? من قيمتها خلال 6 أشهر، وأغلق العديد من المصانع، وتحولت بعض الأنشطة الصناعية إلى مجال العقارات.. وكذلك سياسته الخارجية التي لا تحظى بقبول شعبي مثل دعم وتمويل الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، والاستماتة في دعم جماعة الإخوان المتأسلمين في المنطقة.