عندما انتهت الحرب العالمية الثانية في عام 1945 قررت الولايات المتحدة سحب قواتها بالكامل من أوروبا عدا بعض المناطق تاركةً الجزء الشرقي من القارة العجوز خاضعاً للاتحاد السوفييتي، ولأن الغرب وقتها كان يملك تفوقاً عسكرياً واضحاً جسدته القنبلة النووية التي ألقيت على مدن اليابان، اعتقدت أميركا وحلفاؤها أنهم في مأمن من أي هجوم سوفييتي، وذلك حتى عام 1949 عندما قامت موسكو بتجربتها النووية الأولى وبات مؤكداً أنها تملك القنبلة الذرية، فكان لزاماً على الولايات المتحدة خوض سباق آخر تُوج بتجريب القنبلة الهيدروجينية باعتبارها الأقوى والأشد فتكاً. هذا الصراع الذي تدور فصوله داخل مختبرات البحث وبين علماء الفيزياء والرياضيات يسجله كينيث فورد، أحد هؤلاء الخبراء الذين ساهموا في ظهور القنبلة، في كتابه الذي نعرضه اليوم بعنو «بناء القنبلة الهيدروجينية: تاريخ شخصي»، يلقي فيه الضوء على المراحل والمنعطفات التي قطعتها عملية تصميم وتجريب القنبلة الأخطر في العالم والصعوبات التي اعترضت مسيرتها. كان للصراع الجيوسياسي الذي ظهر عقب الحرب العالمية الثانية دور كبير في إطلاق البحث عن التفوق العسكري الذي ترجمته القنبلة الهيدروجينية، لكن البداية كانت مع العالم المجري الأميركي، إدوارد تيلر، الذي اقترح بناء قنبلة جديدة تقوم على مبدأ الاندماج النووي بدل الانشطار المستخدم في القنبلة الذرية الكلاسيكية، فكان أن وضع مخططاً مفصلا وعرضه على مجمع الأبحاث الأميركي الذي رفعه بدوره للرئيس هاري ترومان. بعد دراسة الجوانب العلمية، لاسيما في ظل التفاصيل التقنية التي يتطلبها بناء قنبلة بهذا الحجم كانت ستستخدم، وفقاً للحسابات الرياضية الدقيقة، مفاعلا نووياً شديد القوة يمكنه تخصيب كميات هائلة من اليورانيوم تكفي لإنتاج 75 قنبلة ذرية.. لكن كل ذلك سيخصص لقنبلة جديدة بتقنيات غير مسبوقة سميت القنبلة «السوبر». لكن تيلر وهو يعد مخططاته لصناعة القنبلة الهيدروجينية حظي بدعم قوي من الجيش الأميركي الذي وافق على ركوب المخاطرة والرهان على قدرات تيلر وزملائه، لاسيما وأن الخصم كان يحث الخطى لتطوير سلاحه في أجواء من التنافس الجيوسياسي المحموم خلال الحرب الباردة، وهنا يأتي دور الكاتب الذي يوثق لحظات تصنيع القنبلة من موقعه كمشارك عندما انضم وهو في الـ24 إلى الفريق، حيث أوكلت إليه مهمة إجراء حسابات رياضية للتأكد من أن انفجار القنبلة الذرية الملحقة بالصاروخ الحامل للرأس الهيدروجيني سيكون كفيلا بتسخين نوع خاص من الهيدروجين يسمى ديتيريوم إلى درجة تكفي لإطلاق عملية اندماج نووي ينتج عنها تسريح طاقة هائلة. فمن الناحية العلمية تعمل القنبلة الهيدروجينية التي اشتغل عليها الفريق العلمي وفق مبادئ مغايرة للقنبلة الكلاسيكية، إذ خلافاً لعملية الانشطار النووي المتبعة في القنبلة النووية، والتي تتوقف ما أن ترتفع درجة حرارة اليورانيوم أو البلوتونيوم، تعمل القنبلة الهيدروجينية بطريقة أشبه ما تكون بالنار، بحيث يعتمد اشتعالها على كمية وقود الهيدروجين المعبأة في جسم القنبلة. لكن المبدأ الذي بدا مقبولا على الورق، كان صعب التحقيق ميدانياً بسبب ظهور مشاكلات تطلبت الاستعانة بخبراء آخرين كان أهمهم الرياضي البولندي ستانيسلو أولام الذي وجد الحلول التقنية ليتوج المجهود الشاق في الأول من نوفمبر 1952 بالقنبلة الهيدروجينية الأولى «مايكل 1» والتي جربت بنجاح في جزر مارشال بالمحيط الهادئ لتبدأ مرحلة أخرى من السلاح النووي الأكثر فتكاً وقدرة على التدمير. زهير الكساب الكتاب: بناء القنبلة الهيدروجينية: تاريخ شخصي المؤلف: كينيث فورد الناشر: وردل ساينتفيك تاريخ النشر: 2015