إعلان سيب بلاتر، رئيس الاتحاد الدولي لكرة لقدم «الفيفا»، في الثاني من يونيو، اعتزامه الاستقالة، يأتي عقب أسبوع مملوء بالأحداث في الأوساط الرياضية الدولية. بدأ كل شيء في السابع والعشرين من مايو، مع قرار وزيرة العدل الأميركية الجديدة «لوريتا لينش» بإصدار مذكرات توقيف بحق 14 شخصاً، من بينهم 7 أعضاء كبار في «الفيفا»، خلال اجتماعهم السنوي في زوريخ. لائحة الاتهامات لم تأتِ فقط في اللحظة نفسها التي كان يسعى فيها رئيس «الفيفا» المثير للجدل، سيب بلاتر، إلى إعادة انتخابه لولاية خامسة في المنصب، ولكنها تزامنت أيضاً مع الإعلان عن شروع الحكومة السويسرية في تحقيق خاص بها بخصوص منح استضافة تنظيم مونديالي 2018 و2022 لروسيا وقطر. تلك التحقيقات، واستقالة بلاتر، استُقبلا بالترحيب من قبل كثير من محبي كرة القدم في العالم، خاصة في أوروبا وأستراليا وأميركا الشمالية. فأخيراً، امتلكت بعض الحكومات الشجاعة لمواجهة «الفيفا» واستئصال الفساد المتفشي الذي كان واضحاً للجميع منذ عقود عدة. غير أن العديد من بلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية والكرايبي التي استفادت من المساهمات المالية السخية لبلاتر في اتحادات كرة القدم الوطنية التابعة لها، كانت ترى أن الاتهامات باطلة لا أساس لها، وأن ما يحرّكها هو نقمة الأوروبيين والأميركيين على «الفيفا» لأنهم لم يمُنحوا شرف استضافة مونديالي 2018 و2022. وفي هذا السياق، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «إن القصة برمتها محاولة من أوروبا والولايات المتحدة لإحراج «الفيفا» وحرمان روسيا من حق استضافة كأس العالم في 2018». إعادة انتخاب بلاتر السهلة أظهرت حجم النفوذ الذي كان يتمتع به عند بلدان العالم الثالث. ولأن كل بلد عضو في «الفيفا» يمتلك حقوق التصويت نفسها التي لدى القوى الكروية الكبرى، إذ تتمتع جزر كايمان (عدد السكان 58 ألف نسمة)، مثلا، بصوت مماثل لألمانيا (80 مليون نسمة).. فإن بلاتر كان واثقاً من أصوات البلدان الصغيرة. غير أن تعرضه لانتقادات شديدة وتهديدات من الولايات المتحدة، والأهم من ذلك ربما، من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، طرح مشكلة كبرى بالنسبة لاستمراره في المنصب. والواقع أن الدوريات الأوروبية الممتازة، التي تضم خيرة اللاعبين في العالم، كانت مستاءة من بلاتر و«الفيفا» منذ سنوات، لكن استياءها ازداد بشكل خاص عقب قرار منح قطر حق استضافة مونديال 2022، وذلك على اعتبار أن قطر ليس لديها سجل كبلد كروي، ودرجات الحرارة فيها خلال فصل الصيف عندما ينظم المونديال تكون مرتفعة جداً، بغض النظر عن الأجهزة المتطورة التي قد يستعان بها للحفاظ على برودة الجو في الملاعب. لذلك، قررت «الفيفا» في مارس 2015 نقل تاريخ كأس العالم لعام 2022 إلى أوائل ديسمبر، عندما تكون الحرارة أبرد. غير أن ذلك يتزامن مع منتصف الموسم الكروي في أوروبا المدروس بعناية والمربح جداً. والتغيير سيكلّف هذه البطولات مليارات الدولارات. ومن الأمور التي تثير قلق المسؤولين الكبار في «الفيفا» أيضاً هناك التحقيق المتواصل حول ما إن كانت استضافة مونديال 2010 قد مُنحت لجنوب أفريقيا بدلا من المغرب نتيجة رشى مُنحت للمصوتين المهمين في «الفيفا». وقد أفردت الصحافة الجنوب أفريقية مساحات مهمة لهذه المسألة. وبالمثل، يتساءل الكثيرون في البرازيل اليوم حول الحكمة من وراء تنظيم الحكومة البرازيلية لمونديال 2014 والألعاب الأولمبية لعام 2016 (يذكر هنا أن الألعاب الأولمبية تمنح من قبل اللجنة الأولمبية الدولية وليس الفيفا). ويحاجج هؤلاء المنتقدون بأن مليارات الدولارات التي أنفقتها البرازيل على بناء الملاعب والمنشآت الأخرى التي لن تكون لها فائدة كبيرة بعد نهاية الألعاب تأتي في وقت تزداد فيه الهوة بين الأغنياء والفقراء في البرازيل اتساعاً، وتحتاج فيه البنية التحتية المتهالكة في البلاد إلى المزيد من الطرق والجسور، وليس لمزيد من المسابح. إن هذه الفضائح في الرياضة الدولية لن تُكبح إلا عندما تخضع مؤسسات مثل «الفيفا» لإصلاح جذري وتُطبق قوانين أكثر شفافية لتتبع المبالغ المالية الضخمة التي تأتي من الرعاة والقنوات التلفزيونية الوطنية التي تدفع المال من أجل حقوق النقل التلفزيوني للألعاب. وبالنظر إلى قرار بلاتر المفاجئ بالتنحي من رئاسة «الفيفا»، يبدو أن الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة وأوروبا قد أتى أكله. لكن إلى أن يغادر بلاتر منصبه -ربما ليس قبل نهاية السنة- سيظل الكثيرون يعتقدون أنه سيفعل كل ما بوسعه حتى لا توجه إليه أي اتهامات. جيفري كمب مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»