التغيير الذي حدث في إيران بين الشاهنشاهية والخمينية طال أيضاً قيمة الإيراني في نظر النظام الجديد، فالشاه مثلا رفض الاحتفاظ بالعرش بالبطش والقبضة الحديدية، وآثر المغادرة على أن يحكم فوق جثث شعبه الذي لفظه في لحظة حماسة ثورية زائدة، إذ كان الجيش الإمبراطوري يدين له بالولاء حتى ساعة رحيله. أما الخميني، فعاد محمّلا بروح الثأر والانتقام وليس الإصلاح والبناء، وهو الأمر الذي كان جلياً حتى قبل عودته، فكتابه «الحكومة الإسلامية» الذي وضعه في باريس لا يخلو فصل فيه من التبشير بعهدٍ تقطع فيه الأيدي والرقاب، وحين سُئل عن مشاعره لحظة وصوله إلى مطار مهراباد، بعد سنوات من الابتعاد عن تراب وطنه، وعن أبناء شعبه، قال: «هيج»، أي: لا شيء! والأمثلة على هوان الإنسان الإيراني في نظر قادة طهران يمكن ملاحظتها على امتداد عمر النظام الإسلامي، وأكثر من يتحدثون في هذا يأتون على ذكر المشانق والإعدامات والتنكيل الدموي بالمعارضين، لكن في اعتقادي أن ما جرى خلال الحرب العراقية الإيرانية يعطي دلالة أكبر، ففي أوراق تلك الحرب أن القوات الإيرانية كانت تتوغل في العمق العراقي، ثم تُحاصر من قبل القوات العراقية، ثم تباد بالكامل، المرة تلو الأخرى، حتى بدا واضحاً أن تقديم الضحايا غايةٌ بحد ذاتها لدى حكام طهران، وليس وسيلة مؤلمة لا بديل عنها لكسب الحرب. ومن المعروف أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية هو الذي كان يرفض المبادرات العراقية والعربية والإسلامية والدولية لوقف ذلك التطاحن المجنون وشلال الدماء الذي استمر لثماني سنوات وراح ضحيته مليون إنسان من الجانبين، وضعفهم من المعاقين والمشوهين، وكان الخميني يصرح بأنهم على استعداد لإرسال جميع أبنائهم للحرب، وفي اليوم الذي اضطر فيه إلى الموافقة على وقف إطلاق النار، وهو يوم عيد توزع فيه الحلويات، أو هكذا يفترض، صرّح قائلاً: «لقد تجرّعت كأس السّم». وأعتقد أنه ما كان للقيادة الإيرانية أن تصر على ذلك العناد القاتل لولا استخفافها بقيمة مواطنيها، بمن فيهم الكثير من المراهقين الذين كانوا يستدرجون من مدارسهم بالخطب الملتهبة والشعارات الحسينية ويرسلون إلى جبهات الهلاك حتى من دون علم ذويهم، ليفجروا أنفسهم أمام الدبابات العراقية. ومن الواضح أن عقلية القيادة الإيرانية لم تتغير بعد كل هذه السنوات فيما يخص قيمة الإنسان لديها، الإيراني وغير الإيراني، فهي ما تزال تقف خلف نظام الأسد الذي أزهق روح 200 ألف من أبناء شعبه، وما يزال الإيرانيون يتدفقون على سوريا ويعودون في توابيت، وهكذا بالنسبة للبنانيين من جماعة «حزب الله». وأعتقد أنه آن الأوان ليستيقظ بعض المخدوعين بالدعايات الإيرانية التي تصوّر نظام خامئني بأنه حامي حمى الشيعة في أنحاء العالم، فهذا النظام لا يتوانى عن استخدام الشيعة العرب ليحقق مصالحه ويضمن بقاءه، ولو أدى ذلك إلى هلاكهم وتدمير دولهم، ولو سئل القادة الإيرانيون عن مشاعرهم تجاه تمزّق نسيج بعض المجتمعات التي تضم السُنة والشيعة، فلا أعتقد أن الإجابة ستتعدى الكلمة المأثورة لدى الخمينيين: لا شيء!