جاء قرار عملاق صناعة المشروبات الغازية «بيبسي كولا»، بالتوقف عن استخدام المحلي الصناعي أو بديل السكر المعروف باسم «الاسبرتام» (Aspartame) في الأسواق الأميركية، وهو الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية بداية هذا الأسبوع، ليلقي الضوء مرة أخرى على هذه النوعية من المضافات الغذائية، وتبعاتها الصحية، والاعتبارات التجارية التي تحدد مدى ونطاق استخدمها، حيث قررت الشركة المذكورة، إحلال «الاسبرتام» بمحلٍ صناعي آخر، هو مادة «السوكرالوز» (Sucralose)، بالإضافة إلى مادة كيميائية أخرى (Ace-K)، في غالبية منتجاتها «الدايت» أو «اللايت»، المحلاة اصطناعيا ببدائل السكر، التي يستخدمها من يحاولون تجنب كمية السعرات الحرارية الهائلة الموجودة في المشروبات الغازية المحلاة بالسكر الطبيعي، إما لخفض الوزن، أو لتجنب زيادة الوزن من الأساس، أو بسبب إصابتهم بداء السكري. ويأتي قرار الشركة باتخاذ هذه الخطوة، التي قد تغير من الطعم والنكهة المعتادة للمشروبات الدايت واللايت، بعد أن انخفضت مبيعات هذه النوعية من المشروبات في الولايات المتحدة لشركة «بيبسي» بمقدار 5 بالمئة خلال العام الماضي، ولشركة كوكاكولا بأكثر من 6 بالمئة. وتعزو الشركتان هذا الانخفاض في مبيعات المشروبات المحلاة اصطناعياً، إلى مخاوف المستهلكين من التأثيرات الصحية السلبية لمادة «الآسبرتام»، ومن المضافات الغذائية الصناعية بوجه عام، خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث ستظل شركة «بيبسي» تستخدم هذه المادة في الأسواق البريطانية، وبقية الأسواق العالمية. وتبرر الشركة قرارها هذا، بأنه ناتج عن اعتبارات تجارية محضة، وليس لأن «الآسبرتام» يشكل أي خطر صحي، معتمدة في ذلك على تأكيد الجهات الصحية المسؤولة عن السلامة الغذائية في الولايات المتحدة وبريطانيا، بأن «الآسبرتام» آمن للاستهلاك الآدمي، حتى حد معين، أو ما يعادل الكمية الموجودة في 14 علبة مشروبات غازية في اليوم الواحد، مثله في ذلك مثل أي مادة طبيعية أو اصطناعية، التي يمكن أن تكون مفيدة عند حدود معينة، وضارة عند الإفراط في تناولها. واعتمدت الجهات الصحية المسؤولة عن السلامة الغذائية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، في تأكيدها ذلك، على أكثر من 100 بحث ودراسة علمية، أظهرت جميعها عدم وجود تبعات صحية سلبية للآسبرتام، في حالة تناوله ضمن الحدود المسموح بها. وتتابعت هذه الدراسات، في أعقاب دراسة نشرت عام 2005، عن باحثين في مؤسسة علمية (Ramazzini Foundation) بمدينة بولونيا الإيطالية، زعمت أن الفئران التي كانت تتناول جرعات مكافئة للجرعات المسموح بها للبشر، قد تصاب بأورام سرطانية، وإن كانت كما ذكرنا سابقاً، لم تظهر أو تشير الدراسات اللاحقة إلى وجود مثل هذه العلاقة. وتعتبر أهم تلك الدراسات، دراسة هائلة الحجم أجراها المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة (National Cancer Institute)، وشملت نصف مليون شخص، وأظهرت نتائجها عدم وجود علاقة بين «الآسبرتام» وبين سرطان المخ، أو سرطان الدم، مثل «اللوكيميا»، و«الليمفوما». وعلى المنوال نفسه، أجرت هيئة سلامة الغذاء الأوروبية (European Food Safety Authority)، مراجعة شاملة ووافية بشكل كبير، لجميع الدراسات والبيانات المتاحة، خلصت إلى أن عند الالتزام بالحد الموصى به (40 ميليجراما لكل كيلو من وزن الجسم)، يعتبر «الآسبرتام» آمناً بشكل تام، حتى للأطفال والنساء الحوامل. وإن كان في الوقت الذي تظهر فيه الدراسات والأبحاث، أمن وسلامة بدائل السكر، لا توجد دراسات مماثلة تثبت أن تناول الأغذية والمشروبات المحلاة اصطناعياً، يؤدي إلى فقدان الوزن، بل وحتى أحياناً ما تظهر بعض الدراسات عكس ذلك. جدير بالذكر أنه في الأعوام الخمسة الأولى من القرن الحالي، أي ما بين 2000 و2005، أُطلق للمرة الأولى في الولايات المتحدة فقط، نحو 4 آلاف صنف ونوع جديد من المنتجات الغذائية والمشروبات، المحلاة ببدائل السكر. وتقدر مراكز الدراسات الاقتصادية، أن حجم سوق المحليات الصناعية في الولايات المتحدة وحدها، يزيد على 200 مليون دولار سنوياً، مع التوقع بنموه بنسبة 8 في المئة سنوياً. وتعزى هذه الزيادة المطردة في استخدام بدائل السكر في المنتجات الغذائية، ولدرجة أصبح معها من الصعوبة العثور أحياناً على مواد غذائية مصنعة لا تدخل فيها المحليات الصناعية، إلى الاعتبارات التجارية للشركات المصنعة للمواد الغذائية. فمن منظور تلك الشركات، يعتبر الاعتماد على بدائل السكر بنداً مهماً في تحقيق هامش ربح مرتفع، حيث لا تزيد تكلفة العديد من أنواع المحليات الصناعية، على جزء بسيط من تكلفة المحليات الطبيعية، مثل سكر القصب أو سكر البنجر.