مع حلول رئيس الحكومة الياباني، شينزو آبي، ضيفاً على البيت الأبيض خلال الأسبوع الجاري، استقبله أوباما بما يليق برئيس حكومة صديقة، ولكن أيضاً ربما كانت تتعين عليه مكاشفته والحديث معه بصراحة، ففي الوقت الراهن تنخرط الولايات المتحدة في مفاوضات تجارية ذات أهمية تاريخية مع اليابان وعشر دول أخرى على ضفة المحيط الهادي، وتبقى إحدى أهم النقاط العالقة مرتبطة بمدى استعداد اليابان لفتح قطاعي الزراعة والسيارات أمام المنتجات الأميركية. ولذا خلال استقبال الضيف الياباني تتوقع من أوباما إثارة الحاجة إلى إزالة الحواجز الجمركية والمسارعة بالتصديق على المعاهدة، فهذه الاتفاقية التجارية التي يُطلق عليها اسم الشراكة العابرة للمحيط الهادي ستفيد كلا البلدين، إذ إنها ستزيل الحواجز الجمركية التي تمنع دخول السلع والبضائع الأميركية إلى العديد من الأسواق الآسيوية، ما يمثل فرصة كبيرة للولايات المتحدة، ولاسيما وأنه بحلول 2030 ستكون الطبقة الوسطى في آسيا قد تضاعفت لتصل إلى 3,2 مليار نسمة، وهو أكثر بعشر مرات من حجم الطبقة الوسطى المتوقعة في أميركا الشمالية. وإذا كنا نرغب في خلق المزيد من الوظائف بالولايات المتحدة فعلينا تصنيع عدد أكبر من المنتجات وبيعها في الخارج، وبخاصة في آسيا. ولكن اليابان قد تحتاج للشراكة أكثر من حاجة أميركا إليها، فقد تباطأ الاقتصاد الياباني على مدى العقدين السابقين وانحدر النمو إلى صفر تقريباً، هذا في الوقت الذي انخرط فيه البنك المركزي الياباني في عملية طباعة العملة للتخفيف على الاقتصاد ليترتب على ذلك انخفاض قياسي في سعر صرف «الين» مقارنة بالدولار، وحتى الإصلاحات التي وعد بها «آبي» ما زالت وتيرتها بطيئة للغاية، ومع هذا البطء ظل المردود الاقتصادي ضعيفاً. ولكن لحسن الحظ يبدو أن حلًا مناسباً ما زال في المتناول متمثلاً في الشراكة العابرة للمحيط الهادي، فهذه الاتفاقية التجارية ستفرض على الدول الموقعة محو العراقيل الجمركية التي تحد من النمو الاقتصادي، وهنا تبرز اليابان كإحدى الدول الأساسية التي تفرض رسوماً جمركية كبيرة على السلع الأميركية تصل أحياناً إلى 700 في المئة، وإذا كانت اليابان قد أبدت رغبة أكيدة في الانضمام إلى اتفاقية الشراكية التجارية، إلا أنها لم تلتزم بعد بإزالة تلك العراقيل، ولعل ما يحسب لرئيس الحكومة الياباني أنه خلال حملته الانتخابية تعهد باستكمال الاتفاقية والتوقيع عليها. ومع انتصاره الحاسم غدا تفويضه الشعبي أكبر وأقوى، ولكن مع ذلك يتساءل المراقبون عما إذا كان «آبي» سيفي بتعهداته، ولاسيما في ظل الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها على يد لوبيهات الزراعة والسيارات. ولاشك أن التوقيع على الشراكة العابرة للمحيط الهادي لن تقتصر فوائده على الجانب الاقتصادي، بل ستمتد إلى تعزيز الأمن القومي، فالتحالف الأميركي الياباني يعد مركز الثقل الأساسي في النظام الأمني بالمحيط الهادي، وهذا النظام قائم على تعهد أميركا بشكل ثابت بالدفاع عن اليابان في حال تعرضها لهجوم، فيما تحصل في المقابل على حق نشر نحو 50 ألف من قواتها فوق الأراضي اليابانية، ما يتيح لتلك القوات المناورة في عموم المنطقة وحماية الممرات البحرية. ويبدو أن الصين الصاعدة تحاول جاهدة اختبار النظام القائم في المنطقة من خلال ترسيخ سيطرتها على أراض متنازع عليها والضغط على جيرانها لفتح الأبواب أمام منتجاتها. بل إن الصين منخرطة اليوم في مفاوضات لتوقيع اتفاقيات تجارية في كل مكان حول العالم تسعى من خلالها إلى تغيير قواعد اللعبة لصالحها، ولذا يتعين على أميركا واليابان طرح السؤال التالي: هل سنترك الصين تفرض قواعد جديدة على الاقتصاد العالمي، أم سنفرضها نحن؟ الجواب أنه في حال تضافرت جهود بلدينا يمكننا مقاومة التحرك الصيني في المنطقة وفرض قيادتنا المشتركة، وليست الاتفاقية التجارية التي يتم التفاوض عليها حالياً سوى إشارة إلى مدى قوى التحالف الأميركي الياباني. ولأن الولايات المتحدة تنتظر ما ستسفر عنه زيارة «آبي»، كما أن العالم يراقب ما يجري بين البلدين، يجب التأكيد على أننا إزاء فرصة كبيرة للتوقيع على الشراكة العابرة للمحيط الهادي ربما لن تتكرر مستقبلاً، وكما صرح «آبي» نفسه «فمن دون تحرك لا يمكن تحقيق النمو الاقتصادي»، وهذا التحرك في نظري يكمن بالأساس في رفع الحواجز الجمركية وتسريع التوقيع على اتفاقية الشراكة. بول رايان: عضو جمهوري في مجلس النواب الأميركي عن ولاية ويسكونسين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»