سويسرا وآيسلندا والدانمارك والنرويج هي أكثر دول العالم سعادة، حسب تقرير السعادة العالمي لعام 2015، الذي يعده بعض خبراء الاقتصاد المهمين. وثلاثة من هذه الدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي. فأي شيء تفعله بصورة ملائمة، بينما تفعله بقية دول العالم على نحو خاطئ؟ وبدأ «جيفري ساكس» من جامعة «كولومبيا» و«ريتشارد لايارد» من «كلية لندن للاقتصاد»، و«جون هيليويل» من جامعة «بريتش كولومبيا»، إعداد هذه التقارير منذ عام 2012. ويهدفون إلى تذكير الحكومات بأن النجاح أكثر من مجرد النمو الاقتصادي والإحصائيات الأخرى. وبالطبع، يشعر الناس بأنهم أكثر سعادة عندما يصبحون أكثر غنى وصحة، وهو ما يسعون إليه في كثير من الدول المتقدمة، بيد أن هناك عوامل أخرى مساهمة في مفاهيم الرفاهية. وهذا هو ما تقيسه تلك التقارير، حيث تُوجه أسئلة للناس في دول مختلفة عن رؤيتهم لمظاهر حياتهم المختلفة. ويؤكد معدو التقرير أن ستة متغيرات تمثل ثلاثة أرباع الاختلافات في مستويات السعادة بين الدول هي: نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، والدعم الاجتماعي، ومتوسط الحياة الصحية، وحرية الاختيار، والكرم، والخلو من الفساد. واثنين من هذه المتغيرات ـ هما الدعم الاجتماعي والكرم ـ لا تعتمدان نسبياً على النمو الاقتصادي أو النظام السياسي، الذي يوضح السبب في أن بعض الدول الضعيفة مؤسساتياً والفقيرة نسبياً لديها سكان أكثر سعادة من الديمقراطيات الغربية الأقوى. فعلى سبيل المثال، يشعر المكسيكيون بسعادة أكثر من الأميركيين، ويستمتع البرازيليون برفاهية أعلى من سكان لوكسمبورج الثرية والأكثر حرية، بينما يفضل الفنزويليون حياتهم أكثر من السنغافوريين. وعلى الرغم من ذلك، يتم اختيار الدولة من بين الدول الفائزة إذا كانت غنية وصحية وحرة ويقطنها أناس كرماء يدعمون بعضهم بعضاً في حال حدوث متاعب. وربما حق لنا أن نتساءل حول ما إذا كان قانون «جانتا» في أوروبا الشمالية وراء حضور آيسلندا والدانمارك والنرويج وفنلندا والسويد بين الدول العشر الأكثر سعادة في العالم. وربما يعيب الاسكندنافيون على ذلك المبدأ، الذي يجعل الفردية جريمة، ولكنه يدافع بقوة غير معتادة عن شبكات الدعم الاجتماعي. وبهذه الطريقة، يشرح مؤلفو التقرير مرونة آيسلندا المدهشة أثناء الانهيار الاقتصادي، ومجيئها في الترتيب الثاني بين الدول الأكثر سعادة في العالم. وفي هذه الدولة أعلى نسبة من الأشخاص في العالم يقولون، إن لديهم من يعتمدوا عليه في أوقات الأزمات. ويحتوي التقرير على فصل يؤكد دور «أعمال الخير الارتباطية»، التي تصف مشاركة الأشخاص في أنشطة مفيدة، من أجل بناء دول سعيدة. ويصبح الشعب أكثر سعادة عندما يصبحون مطمئنين اجتماعياً، وربما كأعضاء في مجموعة. وتشهد الدول الاسكندنافية مستويات مرتفعة من السعادة وعضوية المؤسسات المجتمعية. والدول الأكثر سعادة هي التشاركية، وينطبق ذلك على سويسرا بنظامها الديمقراطي المباشر، ومجتمعاتها المحلية المتكاملة، إضافة إلى الدول الاسكندنافية، التي كتب عنها «ساكس» في فصله من التقرير أن «لديها ربما أعلى رأسمال اجتماعي في العالم». وتساعد الديمقراطية التشاركية والتبادلية على بناء الثقة المتبادلة، وهو جزء مهم من رأس المال الاجتماعي. ويكون الناس أكثر رغبة في دفع الضرائب، وأقل ميلاً للفساد، وتصبح شبكات السلامة الاجتماعية الباهظة شيئاً عادياً. وعلى الرغم من ذلك، يتم نسج هذا النوع من النسيج الاجتماعي بهدوء وكياسة. والدول الأكثر سعادة في العالم لديها تعداد سكان صغير، فأكبر دولة ضمن العشر الأولى هي كندا، وتعداد سكانها 35 مليوناً. ولا يساعد حشد الدول في تكتل كبير مثل الاتحاد الأوروبي على زيادة رأس المال الاجتماعي. وعندما يكون أداء بعض الدول في مثل ذلك الاتحاد أسوأ من دول أخرى، فإن نسيجها الاجتماعي يتمزق بطريقة مأساوية، بينما تتقوض الثقة، ويصبح تراجع معدلات السعادة أكثر وضوحاً من الخسائر الاقتصادية. ولعل ذلك هو ما حدث في اليونان، التي تعتبر خاسرة السعادة الأكبر مقارنة ببيانات الفترة من 2005 إلى 2007، ومن بين أكبر الدول خسارة للسعادة إيطاليا وإسبانيا. وأحد تداعيات السياسة هي أن الدول تحتاج إلى تعزيز نسيجها الاجتماعي الطبيعي بدلاً من السعي لفرض قواعد مبتكرة ربما تجدي في مكان آخر. وبغض النظر عن مدى حجمها وكبرها، يبدو أن البرامج الهادفة إلى تحقيق السعادة تعني أن التفكير في إطار محدود، والحذر من شبكة العلاقات الضعيفة يجعل المجتمع البشري أكثر فعالية. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»