قبل أقل من أسبوعين على إجراء الانتخابات البريطانية ما زالت التكهنات كثيرة بشأن الشكل المحتمل للحكومة المقبلة. ولا يروق أي من هذه التكهنات لواشنطن التي ظلت تراقب عبر الأطلسي بقلق متزايد في السنوات القليلة الماضية أقرب حلفائها وهو ينأى بنفسه عن العالم الذي كان يسيطر عليه ذات يوم. وبصرف النظر عمن ستؤول إليه مقاليد السلطة في البلاد بعد انتخابات السابع من مايو، يعتقد محللون أن بريطانيا قد تستمر في انكفائها على ذاتها، وقد يعجل هذا بشكل أكبر بعملية تقليص ميزانية الدفاع ويعزز مسعى القوميين الاسكتلنديين الذين تصاعد نفوذهم في الآونة الأخيرة ودعواتهم للحصول على الاستقلال، في وقت تبحث فيه البلاد مسألة البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه. ويرى «روبن نيبليت» مدير مؤسسة «تشاثام هاوس» للشؤون الخارجية، ومقرها لندن، أنه من غير المحتمل أن تتورط بريطانيا مستقبلاً في صراعات الشرق الأوسط، أو تضطلع بدور قيادي عالمي، بصرف النظر عمن سيفوز بالانتخابات. وابتعاد بريطانيا عن مشكلات العالم يتضح أكثر مع مرور الوقت منذ فقدان إمبراطوريتها. ولكن حملة الانتخابات لهذا الربيع تقدم صورة واضحة عن مدى ضعف تأثير الأحداث خارج حدود البلاد على خيارات الداخل البريطاني. فموت مئات المهاجرين في البحر المتوسط لم يؤد تقريباً إلى أية تداعيات هنا. وعلى رغم أنه من المألوف أن يتم التركيز في الانتخابات البريطانية عادة على القضايا الداخلية، مثل الرعاية الصحية والضرائب، إلا أن الانتخابات الحالية تحل في غمرة كوارث كبيرة تتزايد دوماً بشكل استثنائي في أوروبا، مثل تحدي الهجرة الجارف، وتقطيع روسيا لأوصال أوكرانيا، واحتمال عجز اليونان عن سداد ديونها، وانخراط مقاتلين أوروبيين في صفوف «داعش»، ومع هذا لم يحظ أي من هذه المشكلات بأكثر من إشارة عابرة في مسار الحملة. والقضيتان الوحيدتان اللتان ظهرتا من حين إلى آخر في الحملة طرحتهما أحزاب الهامش السياسي، وهما تستهدفان تقليص الدور البريطاني في العالم وليس توسيعه. فحزب الاستقلال من أقصى اليمين يريد تقليص عدد المهاجرين بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والحزب الاسكتلندي القومي يطالب بالتخلص من الغواصات النووية البريطانية. ويعتقد «نيبليت» أن ندرة الجدل بشأن قضايا السياسة الخارجية تنذر على الأرجح بفترة لن تقل عن ثلاث أو أربع سنوات «ستكون فيها بريطانيا خارج صورة» الأحداث العالمية. ولكن السبب سيختلف بحسب طبيعة الفائز في الانتخابات. وهناك احتمالان واقعيان في الانتخابات، فإما أن يفوز ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الحالي الذي يتزعم حزب المحافظين من يمين الوسط، أو يفوز منافسه إيد ميليباند الذي يتزعم حزب العمال من يسار الوسط. وهما متقاربان جداً في أحدث استطلاعات الرأي. ولكن من غير المرجح فيما يبدو أن يحقق أي منهما أغلبية ساحقة، مما يعني ضرورة الاستعانة بالأحزاب الصغيرة لتشكيل الحكومة المقبلة. وهذا كان واقعاً أيضاً في انتخابات عام 2010. ولكن سياسة بناء الائتلافات قد تكون أصعب حالياً، لأنه من المحتمل أن يحتل الحزب الاسكتلندي القومي مرتبة ثالث أكبر الأحزاب بدلاً من حزب الديمقراطيين الأحرار. وقد يعتبر ائتلاف آخر يقوده كاميرون أكثر الحكومات الائتلافية استقراراً. ولكنه قد يجبر بريطانيا أيضاً على مواجهة سؤال الهوية الخاص بالعضوية في الاتحاد الأوروبي. فقد وعد كاميرون بإعادة التفاوض بشأن دور بريطانيا في الاتحاد قبل استفتاء على العضوية عام 2017، مما يعني أن أمام بريطانيا عامين من المحادثات المحتدمة مع الشركاء الأوروبيين يتبعها جدل مثير في الداخل. وفي هذا السياق أكد «مارك ليونارد»، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الحكومة إذا أعادت التفاوض فستكون مغامرة خطرة تستقطب قدراً كبيراً من الاهتمام، ولا تترك مجالًا لأي شيء آخر. وإذا أصبح ميليباند رئيساً للوزراء فقد يفت في عضده اعتماده على أصوات الحزب الاسكتلندي القومي الذي يدعو إلى التخلص من برنامج «ترايدنت» للدفاع النووي. وقد أكد ميليباند في مقابلة الشهر الماضي أنه مستعد لتحدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستدلاً على ذلك بتحديه الرئيس أوباما بشأن التصويت باستخدام القوة في سوريا عام 2013. وتصريحات ميليباند توحي بأنه قد يحاول أن يبدي استقلالاً بريطانياً أكبر بدلاً مما يعرف تقليدياً بأنه «علاقة خاصة» بين واشنطن ولندن. ويرى محللون أن أقصى ما تأمله واشنطن من لندن قد يكون مجرد استمرار واقع الحال حيث تلعب بريطانيا دوراً مهماً في قضايا معينة مع إدراك كل من الطرفين لظروف الآخر. ---------- جريف ويت، رئيس مكتب واشنطن بوست في لندن واشنطن بوست