وصف بعض المعلقين أن أوروبا حولت البحر المتوسط إلى «مقبرة» بعد مقتل نحو 700 لاجئ يوم الأحد قبل الماضي، فهل تتحمل أوروبا مسؤولية مقتل اللاجئين في البحر المتوسط؟ ونرى هنا ثلاثة أسباب تجعل أوروبا مسؤولة عن مأساة اللاجئين.أولاً: قلصت أوروبا دوريات الإنقاذ في محاولة لردع اللاجئين عن مغامرة عبور البحر المتوسط. وفي أكتوبر عام 2013، مات أكثر من 300 شخص غرقاً في قارب بالقرب من جزيرة لامبدوزا الإيطالية، وفي أعقاب ذلك دشنت ايطاليا دوريات يُعتقد أنها أنقذت حياة 130 ألف لاجئ في عام واحد. وفي نهاية عام 2014 توقفت الدوريات لأن ميزانية العملية البالغة 12 مليون دولار في الشهر أصبحت أكبر من أن تطيقها إيطاليا وحدها. ورفض الاتحاد الأوروبي تقديم الدعم لأن سياسيين في بعض الدول الأعضاء اعتقدوا أن العملية ستغري المزيد من اللاجئين وتدعم المهربين على المدى الطويل. ونفذت وكالة حماية الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي المعروفة باسم «فرونتكس» عملية أصغر بكثير. وتلقى البرنامج الجديد تمويلاً أقل وأصبحت قوارب دوريات الحراسة تعمل بالقرب من حدود الاتحاد الأوروبي، وبعيداً عن ساحل ليبيا حيث غرق كثير من اللاجئين في الماضي. ثانياً: من شبه المستحيل تقريباً دخول أوروبا قانونياً، لأن اللاجئ المتقدم بطلب الحصول على التأشيرات الأوروبية يواجه نظام من فئتين. الأول للأغنياء، حيث يستطيع المرء شراء تصريح إقامة. لكن كل المتقدمين تقريباً من شمال أفريقيا والشرق الأوسط ومن الفئة الثانية، وبالتالي فإن فرصهم قليلة في الحصول على تأشيرات دخول الاتحاد الأوروبي، ولا تُمنح تأشيرات الدخول لدول التكتل إلا إذا تم التأكد من أن المتقدم سيغادر البلاد ثانية. والسوريون على سبيل المثال موضع ريبة بسبب الأوضاع في بلادهم، وهو ما يحول دون حصولهم على تأشيرات السياحة، ويضطر اللاجئون الذين لا يستطيعون دخول القارة قانونياً إلى التفكير في خيارات أكثر خطورة، ومنها سلوك طريق البحر. وبمجرد وصولهم الأراضي الأوروبية يستطيعون التقدم بطلب الحصول على حق اللجوء وتصبح فرصهم جيدة في البقاء. فلماذا، إذن، لا يسمح الاتحاد الأوروبي ببساطة للمهاجرين بأن يتقدموا بطلب الحصول على هذه التصريحات دون إجبارهم على عبور البحر المتوسط بشكل غير قانوني؟ الهدف فيما يبدو أن الاتحاد الأوروبي يستخدم موت بعض المهاجرين كرادع للآخرين. لكن عدد اللاجئين الذين يعبرون البحر يتزايد دوما رغم الوفيات، ويستطيع بعض اللاجئين من الدول المتضرر بشدة أن يتشبثوا بأمل إمكانية انتقائهم في برنامج إعادة التوطين. وكل عام يُسمح لبضع مئات من اللاجئين للإقامة في مخيمات خارج الاتحاد الأوروبي، لكن عدد المهاجرين الذين يقبلهم الاتحاد الأوروبي ضمن هذا البرنامج لا تأثير له تقريباً. ثالثا: يحتج بعض المعارضين لقبول المزيد من اللاجئين في أوروبا بضرورة بقاء هؤلاء اللاجئين في بلدهم الأصلي ليحسنوا مستويات المعيشة هناك، لكن الاتحاد الأوروبي لا يحفل كثيرا بمستويات المعيشة هذه ما دام أنها لا تؤثر كثيراً على أوروبا. وقبل الربيع العربي دعمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دون مواربة الكثير من الأنظمة الحاكمة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط المسؤولة عن كثير من المشكلات التي تواجهها المنطقة حاليا. وقصف (الناتو) ودول الاتحاد الأوروبي ليبيا، لكنهم تقاعسوا عن إعادة بناء البلاد التي عمتها الفوضى والصراع الطاحن، ولم تفعل أوروبا إلا القليل لتحسين ظروف هذه البلاد، وعدم الاستقرار في ليبيا من بين الأسباب الرئيسية التي تجعل عصابات التهريب تستطيع العمل دون خوف من السلطات. ريك نوك، محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»