العمل العسكري ليس هدفاً في حد ذاته، بل هو إحدى الوسائل التي يمكن استخدامها لتحقيق هدف معين في ظروف محددة. ويبدأ هذا العمل عادة حين توصد أبواب الحلول السياسية للأزمات، أو يصل الخطر الذي يواجه دولة أو أكثر إلى مستوى يهدد كيانها. فالسلاح يبدأ حين تنتهي السياسة ويستحيل صون كيان بلد أو أمنه بالوسائل الدبلوماسية. وتدخل عملية «عاصفة الحزم»، التي قادتها المملكة العربية السعودية في إطار تحالف عربي ضمن حروب الضرورة التي تنشب حين يستحيل تجنب العمل العسكري في لحظة محددة. فكان انقلاب جماعة «أنصار الله» الحوثية وحلفاؤها من أتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح على الشرعية قد وصل إلى مستوى يهدد بتغيير هوية اليمن وابتلاعه وتحويله إلى مركز نفوذ جديد لإيران في المنطقة. فقد أغلق «الحوثيون» كل أبواب الحل السلمي، مستغلين اختلال ميزان القوى على الأرض لمصلحتهم، ومعتمدين على القوات اليمنية النظامية التي ظل صالح ونجله مسيطرين عليها. ولذلك لم يكن ثمة بديل عن اللجوء إلى الخيار العسكري لإنقاذ الشرعية اليمنية وتعديل ميزان القوى على نحو يمكن أن يفتح الباب أمام حوار سياسي. ولذلك نظر المجتمع الدولي إلى «عاصفة الحزم»، بوصفها حرب ضرورة، وتفاعل معها بطريقة إيجابية. وجاء قرار مجلس الأمن 2216 في هذا السياق فأحدث تحولاً في مسار الصراع على اليمن، في الوقت الذي كان الوضع فيه على الأرض يتحول بدوره بعد أن أسفرت الضربات الجوية عن إضعاف قدرة القوى المعتدية على الشرعية، وتدمير أهم نظمها التسليحية وأكثرها خطراً. وتأسيساً على هذا التحول، صار ممكناً فتح نافذة للحل السياسي، ومنح «الحوثيين» وحلفائهم داخل اليمن وفي إيران فرصة للتوصل إلى تسوية في إطار الشرعية اليمنية التي عزَّزها القرار 2216، وعلى أساس المبادرة الخليجية ومخرجات الحوارات السابقة التي أعاد هذا القرار تأكيدها، بوصفها المرجعية الوحيدة المُلزمة للأطراف جميعها. ولذلك كان الانتقال من «عاصفة الحزم» إلى «إعادة الأمل» نقلة جديدة، ولكنها ليست أخيرة، في إدارة عملية إنقاذ اليمن. ومؤدى هذه النقلة إلقاء الكرة في ملعب «الحوثيين» وحلفائهم، في ظل معطيات جديدة تختلف عما كان قائماً قبل شهر واحد. ولا يعني ذلك وقف العمل العسكري بشكل كامل، بل إعطاء الأولوية للسعي إلى حل سياسي عبر حوار جاد، مع إبقاء السلاح مُشرعاً واستخدامه في الحدود التي يتطلبها منع «الحوثيين» وحلفائهم من التحرك لتحقيق مكاسب على الأرض، أو إعادة بناء قوتهم العسكرية التي لحقت بها خسائر جسيمة. كما لا يعني الانتقال إلى «إعادة الأمل» استبعاد سيناريو العملية العسكرية البرية بشكل نهائي، إذ لا يتيسر ذلك إلا في حالة التأكد من التزام «الحوثيين» بالحل السلمي. فالتجارب السابقة معهم تدفع إلى الحذر وإبقاء كل الخيارات مفتوحة، كما كانت منذ أن بدأت «عاصفة الحزم». فقد كانت العملية البرية خياراً لم يُتخذ قرار بشأنه، انتظاراً لما ستسفر عنه الضربات الجوية. غير أنه كان ظاهراً منذ البداية تفضيل «السيناريو الكوسوفي»، الذي حققت فيه الضربات الجوية تغييراً جوهرياً أتاح حلاً سياسياً، على «السيناريو الكويتي - العراقي» الذي قام على تدخل بري في أعقاب الهجمات التي شنها سلاح الطيران. غير أن «السيناريو الكوسوفي» ارتبط بقبول حكومة بلغراد شروط التحالف الدولي، بعد أسابيع من القصف الذي دمر البنية العسكرية التحتية للقوات الصربية وأحكم الحصار عليها. وما كان لـ«السيناريو الكوسوفي» أن يوجد أصلاً إلا لإدراك سلوبودان ميلوسوفيتش أنه لا يستطيع الصمود، فاختار تجنيب بلاده المزيد من الدمار. ولذلك أصبح المشهد القادم في اليمن رهناً بموقف كل من الحوثي وعلي صالح ومدى استعدادهما لحقن الدماء والذهاب إلى حل سياسي عبر الحوار. ولأن أياً منهما لا يشبه ميلوسوفيتش، يظل احتمال الحاجة إلى جولة ثانية من العمل العسكري قائماً، سواء عاجلاً إذا لجأ الحوثي وصالح إلى المناورة والتلاعب لتفريغ الحوار السياسي من مضمونه، أو آجلاً إذا تعنت «الحوثيون» في هذا الحوار وسعوا إلى إعادة إنتاج عقدة «حزب الله» في لبنان ورفضوا أي صيغة لتسليم ما بقي لديهم من أسلحة، وسعوا لأن يكون لهم «الثلث المعطل». ولذلك سيظل صنع مستقبل أفضل لليمن مرتبطاً بمزيج من الحزم والأمل اللذين يُعدان، والحال هكذا، وجهان لمنهج واحد وليسا منهجين مختلفتين.