مرت قبل أيام ذكرى مقتل مليون إنسان أرمني على أيدي الإمبراطورية العثمانية؛ نعم مرت الذكرى المئوية لهذه المجزرة الوحشية، وكان ذلك بمثابة كارثة عظمى بإطلاق لأرمينيا وللعالم. وقد انطلقت مسيرات شعبية ضخمة في أرمينيا، وكذلك في بيروت، لم تذكر فقط بتاريخ تلك المأساة بالدرجة الأولى عام 1915 بل كذلك بالأحداث التي انطلقت قبلها تقريباً 1914 باسم الحرب العالمية الأولى، وبعدها الحرب العالمية الثانية، ثم توالى تاريخ الموت هذا في أحوال ومناسبات كثيرة، منها ما يحدث الآن في سوريا وفلسطين واليمن وفي مناطق أخرى ليست قليلة، إن شئت! والملاحظ، بل المستفز، أن تلك الكارثة والكوارث الأخرى الحالية مرت وتمر، كما يمر الريح، دونما مساءلة أو محاسبة، مع أن الحرب العالمية الثانية أنتجت ما اعتبر أهم منظمة عالمية، هي منظمة الأمم المتحدة. وها هنا تتوالى الأسئلة المريرة والمفعمة بكل أنماط الاستفزاز والاحتجاج. ما الذي فعلته هذه المنظمة في سبيل إحقاق حقوق البشر الذين فقدوا حيواتهم، وأولئك الذين ورثوهم؟ لقد ورثوا المنظمة إياها بمؤسساتها الخلّبية التي دللت على اختراقها، حيث نشأت وتكونت! ها هم الورثة، الذين تحولوا إلى أكوام من الموتى وإلى أشباح أموات، وخصوصاً منهم الأطفال الذين أنتجوا أطفالاً وأجيالاً يعيشون عبء ذلك الحدث الإجرامي؛ بما يعني ذلك من إعادة اعتبار للموتى الشهداء وللأحياء فاقدي فلذات قلوبهم! إن المنظمة الأممية، في سلوكها الذي صاغته وفيما يتصل بمادة «حق الفيتو» للدول العظمى الخمس، إنما فتحت ثغرة خطيرة في جسمها العام، ربما دون أن تستكشف خطورته المحتملة. وهذا ما ظهر خصوصاً حين طرحت القضية السورية على المؤسسة المعنية في المنظمة. لقد حدث ما حدث حين عرضت القضية المذكورة. فلقد أشهرت روسيا حق «الفيتو» بالاعتراض عليها وعلى مناقشتها، فاقدة بذلك واحدة من أعظم القيم، التي أنتجتها البشرية في تاريخها الطويل؛ إنها قيمة العدالة. والاعتراض الذي قدمته روسيا، فعّلته أربع مرات. نعم أربع مرات متسقة، بذلك مع حق «الفيتو». أما حق العدالة، فقد أطيح به، وعفر بأقدام النصوص الميتة والمصالح التي لها مسارها «الآخر». أربع مرات أخفق الحوار من أجل حقوق ملايين السوريين، الذين باتوا أسرى الموت والجوع والاستباحة. فإذا كان الأرمن قد فقدوا مليوناً، فإن السوريين، أحد الشعوب التي أنتجت الحضارة، قد عفرت وجوههم وكراماتهم. وقس على ذلك الشعب الفلسطيني وشعوباً غيره، وآخرين يعيشون في مجاهل أفريقيا تحت وطأة العبودية والمجاعة والاحتقار. ها هنا نبدأ ولا ننتهي من افتقاد الحدود الدنيا من حقوق الإنسان، دونما انتباه لها، أو مع الانتباه لبعض أهلها بمثابتهم كائنات لم تدخل «في خانة» الإنسان العاقل! ولهذا نرى أن واحداً من أعظم ما ينبغي أن يعمل به على الصعيد العالمي الآن يتمثل في ضرورة إعادة النظر في المنظمات الدولية، وخصوصاً، على نحو لا يفرط بأهمية قيمة العدل دون أن يكون ذلك لمصلحة اعتبارات غير شرعية وغير قانونية، ودونما إساءة للنص المعني. إنها فضيحة وجودية وقيمية وسياسية أن يحدث ذلك، وتظل الأمور سائرة كما يراد لها أن تسير: ومن ثم، فهي حقاً مناسبة نبيلة تلك المتمثلة بالاحتفال، الذي قام به أرمن العالم هنا وهناك، بمرور مئة عام على العار الفظيع، الذي عانى منه وتعاني شعوب الأرمن وشعوب أخرى، في سبيل التذكير بما حدث ويحدث وما يحدث في قادم الأيام. تحية للشعب الأرمني المكافح الصديق؛ ولنحتفظ بذكرى من غادر من هذا الشعب بكل الاحترام!