شهدت الأيام القليلة الماضية، مبادرة العديد من المنظمات الصحية والهيئات الدولية، بتنظيم فعاليات وأنشطة متنوعة، على المستويات المحلية والدولية، احتفاء بالأسبوع العالمي للتطعيمات الطبية (World Vaccination Week)، الذي يحل هذا العام في الفترة من الرابع والعشرين إلى الثلاثين من شهر أبريل. ولكن على رغم أهمية التطعيمات الطبية، كخط دفاع رئيسي -وربما الأهم على الإطلاق في رأي البعض- ضد الأمراض المعدية، وخصوصاً ما يعرف بأمراض الطفولة، إلا أن فعاليات هذا العام جرت تحت ظل سحابة من الإحباط، بسبب القصور الواضح في تحقيق الأهداف المرجوة لعام 2015، على صعيد التغطية الدولية للتطعيمات الطبية. ويتضح حجم هذا القصور، ومدى خروج هذه الأهداف عن مسارها، من حقيقة أن طفلاً واحداً من بين كل خمسة أطفال، أو 20 في المئة من أطفال العالم، لا يحصلون على التطعيمات الطبية الروتينية، التي يفترض فيها أن تنقذ حياة كثيرين منهم، وأن تمنع وفاة مليون ونصف مليون طفل سنوياً بسبب الأمراض المعدية، وهو ما حدا بمنظمة الصحة العالمية، لاستغلال الأسبوع العالمي للتطعيمات الطبية هذا العام، لمناشدة الجهات، والهيئات، والمنظمات، العاملة في مجال التطعيمات الطبية، بالإضافة إلى حكومات الدول، وصانعي القرار، بمضاعفة الجهود، وشحذ الهمم، وتوفير المصادر اللازمة، الكفيلة بالعودة بتلك الأهداف إلى مسارها الطبيعي. وتندرج هذه الأهداف ضمن خطة العمل للتطعيمات الدولية (Global Vaccine Action Plan)، التي تطمح إلى عالم يحيا فيه الجميع، حياة خالية من الأمراض المعدية التي يمكن الوقاية منها، ومنعها من الانتقال من شخص إلى آخر، بالتطعيمات الطبية، وذلك من خلال الأهداف الستة التالية: 1- الوصول بالتغطية للتطعيم ضد الدفتيريا، والتيتانوس، والسعال الديكي، أو ما يعرف بالتطعيم الثلاثي، إلى نسبة 90 في المئة من أطفال العالم، بحلول عام 2015. وهذا الهدف لا يزال بعيداً عن التحقيق، حيث لا زالت نسبة التغطية في 65 دولة حول العالم، أقل من النسبة المستهدفة. 2- منع ظهور أية حالات جديدة من شلل الأطفال، بعد عام 2014، وهذا الهدف لا يزال هو الآخر بعيداً عن التحقيق، كون فيروس شلل الأطفال لا يزال مستوطناً في ثلاث دول. 3- منع الإصابة بميكروب التيتانوس بين الأمهات والأطفال حديثي الولادة، وهو الهدف الذي لا يزال أيضاً بعيداً عن التحقيق، كون هذا المرض لا يزال يصيب الأمهات بعد الولادة وأطفالهن، في 24 دولة حول العالم. 4- القضاء على فيروس الحصبة في ثلاث من المناطق الجغرافية في العالم، حسب تقسيم منظمة الصحة العالمية لدول وقارات العالم، وهو الهدف الذي لا يزال كذلك بعيداً عن التحقيق، حيث لا يزال أكثر من 16 في المئة من أطفال العالم، لا يتلقون التطعيم ضد فيروس الحصبة. 5- القضاء على فيروس الحصبة الألمانية من اثنتين من المناطق الجغرافية في العالم، حسب تقسيم منظمة الصحة العالمية لدول وقارات العالم، وهو هدف بعيد عن التحقيق، حيث لا يزال نصف أطفال العالم لا يتلقون التطعيم ضد فيروس الحصبة الألمانية. 6- تحفيز وتشجيع استخدام عدد من التطعيمات الطبية، في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، التي لا توظف فيها هذه التطعيمات بشكل فعال، ولا تجني فيها فوائدها بشكل كامل. وهو الهدف الوحيد من أهداف خطة العمل للتطعيمات الدولية الذي تم تحقيقه بالفعل، حيث تم بالفعل إدخال، وتفعيل، وتوظيف عدد من التطعيمات غير المستغلة سابقاً بشكل كامل، في 90 دولة من دول العالم حتى العام الجاري. ويمكن إدراك حجم هذا الفشل، وتبعاته الكارثية، من حقيقة أن في عام 2013 وحده، لم يتلقّ 22 مليون طفل حول العالم، الجرعات الثلاث من التطعيم ضد الدفتيريا، والتيتانوس، والسعال الديكي. أما فيروس الحصبة، الذي كان في ثمانينيات القرن الماضي، يقتل 2,6 مليون شخص سنوياً، غالبيتهم من الأطفال، فقد نجحت التطعيمات الطبية بحلول عام 2012 في خفض الوفيات الناتجة عنه إلى 122 ألفاً فقط. إلا أن الدراسات والإحصائيات الحديثة، تظهر ارتفاعاً في عدد الوفيات إلى أكثر من 145 ألفاً عام 2013، نتيجة تراجع نسبة التغطية بالتطعيمات. وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية في منتصف شهر نوفمبر الماضي، لإطلاق تحذير، بأن التقدم الذي أحرز سابقاً نحو القضاء على فيروس الحصبة، قد توقف وأصابه الشلل، وربما حتى بدأت خطواته في التراجع والتقهقر.