عندما توليتُ منصب رئيس وزراء اليابان في 2012 عقدت العزم على إرساء مجتمع جديد تكون فيه لجميع النساء فرصة التألق والعطاء، فاليابان كما هو معروف لن تستطيع الازدهار في القرن الحادي والعشرين ما لم تساعد جميع مواطنيها من الجنسين معاً على تحقيق إمكاناتهم الذاتية والرقي بها. والحقيقة أن الجهد المطلوب والمسافة اللازمة لبلوغ هذا الهدف دونهما العديد من العقبات كما تعبر عن ذلك الإحصاءات المتوفرة التي تقول إنه على رغم النسبة المرتفعة من النساء اليابانيات الحاصلات على شاهدات جامعية عليا، وتفوقهن في ذلك على العديد من الدول المتقدمة، إلا أن نسبة مشاركتهن في القوى العاملة تظل ضعيفة ومتدنية. بل حتى النساء اللواتي ينجحن في الالتحاق بسوق العمل يضطر العديد منهن لمغادرة العمل بسبب الحمل، أو إنجاب الأطفال، وهو ما يمثل خسارة كبرى لليابان، وإن كانت هذه النسبة اليوم تعني أيضاً زيادة إمكانات النمو المتاحة أمامنا مستقبلاً في حال سخرنا قوة النساء وقدرتهن على الإنتاج والعمل، ولذا أجدني وكلي عزيمة وتصميم على تحويل اليابان إلى بلد يزخر بالفرص لنسائه، وعلى إزالة أي سقف كان يحد من انطلاقهن ويعيق تقدمهن. وفي سياق هذا الجهد المبذول لتمكين النساء اليابانيات تم على مدى السنتين الماضيتين خلق ما لا يقل عن 800 ألف وظيفة للنساء اليابانيات، ليتجاوز إجمالي عدد العاملات 27 مليون نسمة إلى غاية شهر يناير الماضي، وأكثر من ذلك ارتفع عدد النساء المديرات في الشركات الوطنية الكبرى بنسبة 30 في المئة منذ عام 2012 وقد وصل إلى 800 مديرة، ليتحول المطلوب اليوم إلى أكثر من مجرد مشاركة النساء في العمل، بل توليهن الأدوار القيادية والمناصب العليا. ولكن ذلك لا يعني أيضاً أن الهدف قد تحقق، بل ما زال أمامنا الكثير من العمل، ولهذا بادرت بوضع هدف آخر يتمثل في رفع نسبة النساء في مواقع القيادة، كما طرحت في شهر فبراير الماضي مشروع قانون أمام البرلمان يطلب من الشركات بلورة خطط لتوظيف عدد أكبر من النساء وتعيينهن في مواقع المسؤولية والإدارة العليا. ولاشك أن الفوائد ستعم الجميع، فإن يكون الاقتصاد الياباني، أو المجتمع ككل، يدار من قبل نساء لهن طرقهن المبتكرة في التفكير وحل المشكلات، فهذا مصدر غنى كبير لم نعهده من قبل. ولعل من الأمثلة الدالة في هذا المجال ابتكار فريق نسائي بإحدى شركات صناعة السيارات اليابانية نموذجاً جديداً يتيح درجة انفتاح أكبر لأبواب السيارة ما يسمح للنساء اللواتي يحملن أطفالهن بالدخول واتخاذ أماكنهن دون مشقة، وهذه السيارة حققت أعلى نسب المبيعات في اليابان للشهر الخامس على التوالي. ولكي نشجع النساء على الاستمرار في سوق العمل ونمنع انقطاعهن لابد من توفير الدعم لهن خارج العمل، وهو ما دفعني للزيادة في عدد المرافق المختصة في رعاية الأطفال قبل المدرسة بأكثر من 200 ألف منشأة منذ عام 2013، كما عملت على زيادة دعم الأسر التي ترعى الأطفال. وفي السنة الماضية تم إقرار نظام إجازات جديد خاص بالآباء يسمح للوالدين بقضاء وقت أطول مع عائلاتهم. وبالتزامن مع ذلك تبذل الشركات والحكومات المحلية جهوداً جبارة لتوسيع الفرص المتاحة للنساء، ولاسيما في مجال الانخراط الفاعل مع المجتمع. وهذا التوسع في تمكين المرأة وإشراكها ينطوي على أهمية قصوى بالنسبة لليابان المطالَبة بالتعاطي مع التحديات التي ستواجه جل الدول المتقدمة خلال السنوات القليلة المقبلة والمتمثلة أساساً في شيخوخة السكان إثر الانحدار الكبير في معدل الولادات. ولو نجحت اليابان في تحفيز انخراط أكبر لنسائها في المجتمع وسوق العمل، وهو الأمر الضروري لاستدامة النمو الاقتصادي، فقد تتحول جهودنا إلى نموذج ناجح يُلهم باقي الدول. وهنا لن تألو اليابان جهداً لمساعدة النساء عالمياً ودعم مساعي تمكينهن خارج الحدود، ففي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2013 تعهدت بتخصيص 3 مليارات دولار من المساعدات التنموية التي تركز على النساء، وفي سبتمبر 2014 نظمت الحكومة التي أرسها الاجتماع العالمي للنساء الذي جلب التجارب العالمية في مجال تمكين المرأة تحت سقف واحد لتبادل الخبرات والاستفادة من التجارب المختلفة، ولا ننسى أيضاً أن عدداً كبيراً من النساء ما زلن يعانين مشاكل لا حصر لها تطال حقوقهن الأساسية في أكثر من مكان، فضلاً عن تعرضهن للإهانة والتنكيل في مناطق الحروب وبؤر الصراع المتعددة. شينزو آبي: رئيس الوزراء الياباني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»