لم تكن نتائج الانتخابات السودانية مفاجأة لطرف من الأطراف المعنية بها سوى حزب المؤتمر الوطني، وربما للحزب الاتحادي الديمقراطي.. فالحكومة التي أصرت على إجرائها دعوات أصدقائها، في الداخل والخارج.. وذلك برغم علم المؤتمر الوطني سلفاً بأن هذه الانتخابات والأجواء التي أحاطت بها لن تحقق له شرعية يحتاج إليها. وكانت كل المؤشرات قبل الانتخابات تؤكد على تأثير حملة المقاطعة الشعبية برغم التهديدات التي وجهت علناً وسراً للنشطاء وللقيادات المعارضة، والتضييق عليهم وحجبهم عن أجهزة الإعلام. ولعل أهم مؤشر نجاح لحملة المقاطعة الشعبية، وفشل حملات المؤتمر الوطني بكل «أصنافها»، قد جاء من لجنة انتخابات ولاية الخرطوم قبل يوم من انتهاء الانتخابات، فقد صدر عنها إعلان مفاجئ بأن انتخابات الولاية الكبرى سجلت مشاركة بنسبة 16% فقط من الناخبين المسجلين.. وهذا الإعلان كان وقعه السلبي على السلطة وحزبها واضح، واضطرت لتمديد فترة الانتخاب ليوم آخر، وقد كان سبق للجنة الانتخابات القومية المحايدة أن أعلنت استمرار فتح مراكز الانتخابات لساعات بعد الوقت المحدد لذلك.. وبرغم عدم إقناع الأسباب التي ساقتها اللجنة لهذا القرار بدعوى الإقبال الجماهيري الهائل على مراكز الانتخابات، مما جعل اللجنة مثار نقد أمام سكان الخرطوم الذين كانوا يرون بأعينهم في -أحيائهم هذا الاقبال الجماهيري الهائل على مراكز الانتخابات! وكانت تلك الأسباب التي ساقتها لتبرير تمديد فترة الانتخابات ليوم، بعد الوقت المحدد في الأمر الدستوري، دافعاً لأن يرى أساتذة القانون الدستوري أنها مخالفة للدستور. وهذا الأمر فيما نشر في الخرطوم «أغضب» السيد محمد الحسن الميرغني، نجل الميرغني الكبير والمسؤول عن حملة الحزب الاتحادي الديمقراطي الانتخابية، الشريك مع المؤتمر الوطني.. وقد انتهى أمر انتخابات حكومة المؤتمر الوطني إلى ما انتهى إليه، وهو أمر لا يحتاج إلى أدلة فهو مؤشر فشل واضح أمام مرأى من الشعب السوداني والعالم المهتم بأمر السودان كله. فهذه المغامرة السياسية التي قامت بها حكومة المؤتمر الوطني وجرت معها الحزب الاتحادي الديمقراطي إليها قد تكون لها تداعيات سلبية على الحكم وعلى البلد.. فبعكس ما كان يتصوره الزب الحاكم فإن قضية الشرعية الدستورية هذه لم يعد الحديث عنها مجدياً.. فالذي حدث هو أن طوق العزلة الدولية على النظام قد يزداد، ويقوى، وإذا كان النظام على لسان نائب الرئيس د. غندور قد أعلن قبل الانتخابات أنه لا يحتاج إلى الاتحاد الأوروبي وغيره، وهو يعلم أنه يحتاج إليه.. فلماذا يسعى اليوم وبشكل الحوار الذي بدأه قبل الانتخابات مع الإدارة الأميركية؟! إن حكومة المؤتمر الوطني تواجه اليوم مأزقاً لا يدري المرء كيف سبيلها إلى الخروج منه، فقد استنفد المؤتمر الوطني كل المناورات السياسية التي مارسها أمام الشعب السوداني والمجتمع الدولي. والنظام لن يرحل ولا يستطيع أن يرحل كما اقترح كاتب سوداني.. ولكن أمامه طريق واحد للخروج من المأزق بخطوة واحدة هي المطلب الذي يدعو إليه غالبية السودانيين.. وهي أن يعلن بقرار رئاسي إيقاف الحرب في كردفان (جبال النوبة) ودارفور والنيل الأزرق، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين، ورفع اليد عن الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، وأن يعتذر للشعب السوداني ولأهل الضحايا بوساطة أجهزته عما أصابهم من انتهاكات للكرامة الإنسانية.. وهذه خطوة تحتاج إلى شجاعة وإرادة سياسية.. وهي الخطوة الوحيدة التي يمكن أن تجنب بقية الوطن أزمة كبرى يراها البعض قادمة لا محالة إذا استمر المؤتمر الوطني على نهجه هذا الذي أورث الوطن كل ما لحق به من قلاقل ومشاكل.