موجة «قوارب موت» كثيفة.. وردود فعل أوروبية ضعيفة! لوموند نشرت صحيفة لوموند أول من أمس الجمعة افتتاحية بعنوان: «المهاجرون: إخفاق للأوروبيين، لا لأوروبا» أثارت فيها قضية مآسي قوارب الهجرة السرية التي تواترت خلال الأسابيع الأخيرة، وبلغت الذروة مع غرق المئات من المهاجرين السريين خلال الأسبوع الماضي مقابل الشواطئ الليبية، وفي عرض البحر الأبيض المتوسط. وقالت الصحيفة: لقد بتنا نعرف الرقم: فخلال الأيام العشرة الماضية غرق في عرض البحر المتوسط ما لا يقل عن 1200 من المهاجرين السريين القدامين من أفريقيا، والشرق الأوسط والمغرب العربي. وبتنا نعرف ونألف أيضاً المشهد: صور الآلاف من هؤلاء البؤساء مكدسين على متن «سفن الموت» وهم يبحرون باتجاه ما يتصورونه «فردوساً أوروبياً». ونعرف كذلك ما ينتظرنا: مليون مهاجر محتمل، قادمين من ليبيا، وسوريا، والعراق، وأفريقيا جنوب الصحراء، والقرن الأفريقي، ممن يحلمون بالالتحاق بدول الاتحاد الأوروبي. وليس عندنا أيضاً وهْم: فليس في مقدور حكومات أوروبا فرض السلام في العالم العربي، ولا إعادة الاستقرار لليبيا، أو المساعدة في تحقيق الازدهار في الصومال، وإرتيريا، ودول منطقة الساحل. ومضت الصحيفة قائلة: ولكن في مقدورنا استخلاص نتيجة، وهي أيضاً في حكم المؤكد: فخلال السنوات العشر المقبلة ستواجه دول الاتحاد الأوروبي أزمة هجرة هائلة، وبشكل غير مسبوق، وفي مقابل هذا التحدي الجارف جاءت قرارات القمة الأوروبية يوم 23 أبريل الجاري مخيبة للآمال. فقد قررت الدول الثماني والعشرون مضاعفة ميزانية عملية «تريتون» الخاصة بالمراقبة والإنقاذ في المتوسط بواقع ثلاثة أضعاف، أي من مبلغ 2,9 مليون «يورو» إلى 9 ملايين شهرياً. وقد واجهت هذه العملية التي انطلقت أصلاً في سنة 2013 وتوقفت في أكتوبر 2014 مصاعب جسيمة، بسبب فتور الدول الأعضاء في التضامن مالياً مع إيطاليا، الواقعة في عين عاصفة الهجرة السرية. وفي مواجهة هذه المآسي الإنسانية التي يشهدها البحر المتوسط الآن تبدو ردود الفعل ضعيفة وأقل بكثير من المطلوب، كما يظهر عجز المؤسسات الأوروبية، وذلك لأن القرار في أمور الهجرة يبقى في أيدي الحكومات الوطنية، وليس بيد المؤسسات الأوروبية المشتركة. وفي مواجهة هذا التحدي دعت لوموند إلى تخصيص أموال أكبر، وهوامش تحرك أكثر للجهة الأوروبية المعنية بأمور الهجرة والحدود «فرونتكس» التي تعتبر هي ذراع أوروبا الوحيد في مواجهة تدفق الهجرة السرية، وما يترتب على ذلك من مآسٍ وكوارث إنسانية. كما دعت أيضاً لإبداء المزيد من التضامن المالي مع دول الجنوب الأوروبي، والعمل على منع وقوع حوادث الغرق وانتشار زوارق الموت في عرض البحر المتوسط. لوفيغارو في مقال بعنوان: «الإرهاب يوظف الهجرة البحرية» ربط الكاتب «إيفان ريوفول» في صحيفة لوفيغارو بين تفاقم ظاهرة غرق المهاجرين السريين في البحر المتوسط، واتساع موجة التهريب والتسلل، مع تفاقم دور وحضور الجماعات الإرهابية في مناطق جنوب المتوسط، وخاصة مع دخول الحالة الليبية مرحلة صعبة من الاقتتال الداخلي، وتغول وتوغل جماعات التطرف والعنف هناك. وقال الكاتب إن للجماعات الإرهابية دوراً في الدفع بقوارب الموت في عرض المتوسط بنية إغراق أوروبا بموجات من المهاجرين السريين، وقد نقلت صحيفة لوموند في نهاية هذا الأسبوع عن ضابط استخبارات ليبي قوله «إن ثمة استراتيجية لدى الجهاديين لاستخدام المهاجرين في زعزعة استقرار أوروبا. إنهم يشتغلون على المدى البعيد». هذا فضلاً عن كون تنظيم «داعش»، الذي يبدو أنه مستعد لاستخدام المرشحين للهجرة السرية كدروع بشرية، لا يخفي أصلاً نواياه العدوانية تجاه أوروبا. وفي الأخير قال الكاتب إنه قد بات من الضروري جداً الآن عقد مؤتمر دولي لمنع هذا المد، ولإيجاد حماية لأوروبا. وهنا يمكن الإشارة إلى تجربة أستراليا، التي لا تتردد في رد وصد السفن التي تحمل المهاجرين بطريقة غير مشروعة. وهو مثال يحتذى في الصرامة، وكان الكاتب اليميني في بداية افتتاحيته قد أشار أيضاً إلى أعمال العنف التي شهدتها جنوب أفريقيا مؤخراً ضد المهاجرين الأفارقة، مستدلاً بذلك على أن أوروبا لا ينبغي أن تلام إذن إن تمنعت في استقبالهم. ليبراسيون تساءلت الكاتبة «ألكسندرا شوارتزبرود» في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون: وماذا لو فتحنا الأبواب أمام المهاجرين؟ وبدلاً من محاربتهم وصدهم، لماذا لا ننظم عملية استقبالهم في أوروبا؟ فهذا المد من اللاجئين الهاربين من مناطق الحروب والصراعات والبؤس، لم يشهد له العالم مثيلاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يقع أيضاً بالصدفة، بل تقف وراءه أسباب قاهرة، كما نعلم جميعاً. فالحرب والفوضى يعمان ليبيا، وينتشران في مناطق أخرى من الشرق الأوسط وبعض الدول الأفريقية. ولذا كان من المتوقع أصلاً أن ينتهز كثيرون ظروف الطقس الملائمة في فصلي الربيع والصيف لمحاولة عبور المتوسط، للنفاذ بجلودهم وأرواحهم من جحيم الصراعات والنزاعات والفاقة والفقر. وانتقدت الكاتبة ردود الفعل الأوروبية معتبرة أنها لا ترقى إلى حجم التحدي، مؤكدة على ضرورة مد يد المساعدة للمهاجرين واللاجئين بإظهار التزام أكبر، ومعاملتهم بطريقة إنسانية، ومحاربة شبكات التهريب التي تقذف بهم في عرض البحر، وضربها بقوة ودون تردد. إعداد: حسن ولد المختار