توقعت أن أتعرض لهجوم بسبب مقالي الذي كتبته عن قضية الأرمن. ومن الممكن أن يكون الانتقاد جيداً، إذا كان بناءً، بل ويمكن أن يوفر فرصة للنقاش. ولكن لسوء الحظ، بعض تلك الرسائل التي تلقيتها من منظمات تركية، بدت بعيدة كل البعد عن أن تكون كذلك، وغلب عليها الدفاع تارة الإهانة تارة أخرى. وبطريقة ما، ذكرني رد الفعل التركي على مقالي الأخير بردود شديدة تلقيتها قبل ستة أعوام مضت عندما كتبت مقالاً مؤيداً لقرار الرئيس أوباما في 24 أبريل عام 2009 بالامتناع عن استخدام مصطلح «الإبادة الجماعية»، لكي لا يحبط المفاوضات التركية الأرمنية التي كان قد تم الإعلان عنها قبل ذلك التاريخ بيومين. وشعرت بعض الجماعات الأميركية الأرمنية، بعد ذلك المقال على ما يبدو، بأنني ظلمت جاليتها ظلماً شديداً، وفاض بريدي الإلكتروني بكثير من الرسائل المثيرة للاشمئزاز. وها قد تعرضت للقلق في عام 2009، وكذلك الآن. ولكن السبب ليس الانتقاد، وإنما يتعلق بسذاجة ردود الأفعال الناجمة على ما يبدو عن الحاجة الوجودية، فالأرمن يحتاجون إلى الإقرار بما يسمونه «الإبادة الجماعية» من أجل إثبات تاريخهم، ويحتاج الأتراك أيضاً إنكار «الإبادة» من أجل إثبات تاريخهم أيضاً. وبناء عليه، ينخرط الأتراك والأرمن في معركة «صفرية»، وإذا استخدمت كلمة «إبادة»، ينتقدك الأتراك. وإن لم تستخدمها يدينك الأرمن. أما وقد قلت ذلك، فأود أن أوضح أنني من باب الاحتياط لاحقاً، سأقف إلى جانب الأرمن، فقد كانوا ضحايا، ولا يزالون يواجهون جهوداً تركية تهدف إلى تشويش التاريخ من وجهة نظري، وعندما يفشل كل شيء، يضغطون لإخضاع من يواصلون الإصرار على منح الاعتراف بالمآسي التي حلت بالشعب الأرمني قبل قرن مضى. وربما يكون رداً على المواقف التركية، شعر الأرمن بأنهم مضطرون إلى خوض «المعركة الصفرية» بشأن مسألة «الإبادة الجماعية». وأتمنى لو أنهم لم يتخذوا ذلك المسار. ومثلما قلت لأحد أصدقائي الأرمن في عام 2009، ولازلت أقول اليوم، عليهم أن يمنحوا الرئيس أوباما وأصدقاءهم الآخرين فرصة. فعلى سبيل المثال، في رسالته إلى الشعب الأرمني، صدرت عشية الذكرى السنوية خلال العام الجاري، استخدم أوباما لغة معبّرة بصورة استثنائية في وصف المأساة المرعبة التي وقعت في عام 1915، قائلاً: «بداية في عام 1915، تعرض الشعب الأرمني للترحيل والذبح والاقتياد إلى مقصلة الموت. وطمست ثقافته وتراثه في موطنه القديم. وفي خضم أعمال العنف المروّعة التي شهدت معاناة على كل الجوانب، قُتل مليون ونصف المليون أرمني». وكما يوضح التصريح، استخدم الرئيس مصطلحاً أرمنياً «ميدز يغرين»، أو «المصيبة العظيمة»، وتحدث عن «المجزرة المخيفة»، و«الفصل الأحلك في التاريخ». ولكن على رغم تضامنه الواضح مع الأرمن، إلا أن عدم استخدمه لمصطلح «الإبادة» جعله يتعرض للانتقاد خلال العام الجاري، كما حدث في عام 2009، بل واتهمه البعض بخيانة الأرمن. وذهب أحد قادتهم إلى حد الإشارة إلى أن تصريح الرئيس جلب العار لأميركا. ومثل هذه الانتقادات، هي في أفضل الأحوال غير مجدية، وفي أسوئها، مخزية. وبعد مئة عام ثمة اعتراف متزايد بما مضى في الأيام الغابرة للإمبراطورية العثمانية. ولكن في النهاية، لن يجلب الاعتراف الأميركي بما يسميه الأرمن «الإبادة الجماعية» العدالة أو يعوض الأمة الأرمنية. ولن يحدث ذلك إلا عندما تتمكن تركيا من قبول بعض ماضيها والتصالح معه، وهذا هو ما دعا الرئيس أوباما الأتراك لفعله. وبدا أن هناك دلالات على تحرك إيجابي في ذلك الاتجاه العام الماضي عندما وصف رئيس وزراء تركيا آنذاك أردوغان «أعمال القتل» بأنها «غير إنسانية» وأرسل تعازيه إلى أسر الضحايا الأرمن. وواصل رئيس الوزراء الحالي أحمد داوود أوغلو العزف على النغمة ذاتها خلال الأسبوع الماضي، وأضاف: «إن الأتراك يفهمون ما يشعر به الأرمن»، معلناً أن من الواجب الإنساني والتاريخي على عاتق تركيا إحياء الذكرى والتراث الثقافي للأرمن. بيد أن هذه الدلالات على الانفتاح سرعان ما تلاشت عندما تجرأت حكومات أجنبية أو قادة دول على استخدم مصطلح «الإبادة». فعلى سبيل المثال، اتسم المسؤولون الأتراك بشدة استثنائية في رفضهم لتصريحات البابا فرانسيس وبرلمان الاتحاد الأوروبي بسبب إحياء الذكر المئوية للقضية الأرمنية. ولكن رفض الأمة، أية أمة، التشبث بماضيها هو دلالة ضعف أكثر منه علامة قوة، والتصالح مع ماضيها يجعلها أقوى وأقدر على التعامل مع التحديات المستقبلية. والعجز عن فعل ذلك مثير للقلق على أقل تقدير، واتباع سياسة الإنكار والمواقف الحدية يؤخر الاعتراف الذي لابد أن يحدث في النهاية.