منذ هزيمته في الانتخابات الوطنية منذ ما يقرب من عام، بدا حزب «المؤتمر» المعارض في الهند وكأنه تقريبا بلا حياة. وبدأ هذا أخيراً في التغير خلال عطلة الأسبوع الماضي، عندما عاد الزعيم المفترض للحزب «راهول غاندي» مرة أخرى إلى نيودلهي بعد إجازة غامضة استمرت 56 يوماً بالخارج. وأمام تجمع حاشد يوم الأحد وخطاب في البرلمان يوم الاثنين، سخر وريث عائلة نهرو غاندي التي حكمت الهند لجزء كبير من تاريخها المعاصر، من حكومة رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» بسسب محاولتها تعديل قانون الاستحواذ على الأراضي المثير للجدل. ومثل كل الديمقراطيات، فإن الهند بها معارضة نشيطة، قادرة على جعل الحكومة أمينة، وتقديم بديل ذي مصداقية للناخبين، بيد أنه من غير المرجح بالنسبة لغاندي المختلف، الذي حتى الآن لم يظهر سوى ميلاً قليلاً لسياسة الهند المتقلبة، أن يقنع أي شخص آخر غير المتملقين في الحزب بقدرته على منافسة «مودي» المعروف بكاريزمته النارية. ويحتاج حزب «المؤتمر» إلى أجندة سياسية متماسكة أكثر من زعيم مفتول العضلات – ليس الزعيم الذي رفضه الناخبون في 2014، إنما بديل نابض بالحياة يسعى إلى تحويل أقدم مؤسسة سياسية في الهند إلى حزب «يسار وسط» حقيقي يناسب القرن ال21. ولم يلمح غاندي في أي من خطابيه إلى مثل هذا البرنامج. وفي حين أنه أظهر أخيراً توقاً للشجار – حيث سخر من حكومة «مودي» اليمينية، واصفاً إياها بأنها إدارة «مناسبة» لتموين الصناعيين الأثرياء – إلا أنه لم يكن لديه أي شيء جديد ليقدمه للمزارعين في الهند، الذين يشكلون نحو 50% من الشعب. وإذا كان كل ما يريده الهنود الريفيون هو الحفاظ على قانون الاستحواذ على الأراضي الذي مررته الحكومة بزعامة حزب «المؤتمر» في 2013، لما أعطوا أصواتهم لـ«مودي» بهذه الأعداد الكبيرة. وحتى الاتهام الموجه لمودي بأنه يحبذ الصناعة فهو بالكاد يكون جديدا، فقد كان «راهول» يذكر ذلك مراراً وتكراراً أثناء حملته الانتخابية في عام 2014، ليترك تأثيراً لا يكاد يدركه أحد. ومن الواضح أن حزب «المؤتمر» لم يع الدرس الرئيسي من هزيمته في 2014: لم يعد حتى أفقر الهنود يصدقون أن برنامجاً اقتصادياً يستند في المقام الأول على المنح سيؤدي إلى مزيد من الازدهار. لقد فاز «مودي» لأنه أقنع الناخبين أن لديه خطة أفضل. وغاندي في حاجة لأن تكون له الخطة الخاصة به. وعلى زعيم المعارضة أن يبدأ بمقاومة الرغبة في الدفاع عن الهند الريفية المثالية ضد اعتداء الصناعة والتحضر. فالزراعة ببساطة لا يمكنها دعم نصف القوة العاملة في الهند بينما تساهم بـ15% فقط في الناتج المحلي الإجمالي، وسيتخلى كثير من الفلاحين بسرور عن عملهم الشاق من أجل الحصول على وظائف جيدة وخدمات أفضل في البلدات والمدن، إذا كانت متاحة. وهم يدركون أن مستقبل أبنائهم لا يكمن في الأرض. وكما حدث مع أحزاب «يسار الوسط » في أوروبا، فإن حزب «المؤتمر» يحتاج أيضاً إلى الاعتراف بحقيقة أن اقتصادات السوق هي أفضل وسيلة لتحقيق الازدهار، على الرغم من عيوبها. وهذا لا يعني ترديد شعارات «مودي» حول النمو. فبإمكان غاندي أن يخرج بقوة ضد الاحتكارات واحتكارات القلة، بينما يؤيد نظام رأسمالي تنافسي يستند على قواعد. وربما يمثل هذا مشكلة كبيرة، نظراً لسجل حزبه في الماضي من المحسوبية. ولكن لأنه لم يسبق له إطلاقاً أن كان في الحكومة، يمكنه على الأقل أن يعد بالبدء مع سجل نظيف. ويستطيع غاندي أيضاً بصورة شرعية أن يؤدي للدولة دوراً أكبر من دور «مودي» – الذي لا يتطلع إلى اطلاق ثورة «تاتشرية»، وفي حين ركز حزب «بهاراتيا جاناتا» بزعامة «مودي» على الاستفادة من قدرات الدولة لتحسين الطرق والموانئ والسكك الحديدية، تمكن حزب «المؤتمر» من تقديم أجندة جذابة لتطوير البنية التحتية الاجتماعية للهند، أيضاً. وربما يتمكن الحزب، على سبيل المثال، من تطوير خطة للتأمين الصحي الشامل، يساهم في أقساطه كل من الدولة والمواطنين. (وقد تسدد الدولة أقساطا أكبر للهنود الأكثر فقرا). لا شيء يمنع حزب «المؤتمر» من تعزيز وسائل مبتكرة لتطوير التعليم ومهارات العمال. من الواضح أن المدارس الحكومية لم تقدم نتاجاً تعليمياً مثالياً. فلماذا لا يلزم الدولة بتمويل التعليم، بينما تتيح للمدارس الخاصة تقديمه باستخدام قسائم على مستوى المدارس وقروض طلابية بالنسبة للجامعات؟ ولإحياء حزبه، يحتاج «غاندي» إلى بذل المزيد من أجل استنهاض الهمم إذا كان واحداً من العديد من النشطاء الاجتماعيين في الهند. هذا ما سيفعله زعيم معارض حقيقي. ديراج نايار: صحفي مقيم في نيودلهي ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز"