تفاقمت ظاهرة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث كانت بداية مسار تحولات كبيرة في مكافحة الإرهاب الذي شوه صورة الدين، وأدى إلى غموض في الرؤية والمفاهيم، وإلى قطيعة أحياناً في التواصل بين الثقافات. وهناك سوء فهم ينتشر بسرعة فائقة بين أطراف دولية في الشرق والغرب، ما يحتاج إلى معالجة عقلانية للتصدي للكراهية الثقافية، واتساع الفجوة والجفوة بين الثقافات الإنسانية. ونحن كمسلمين نشعر بخطر ظاهرة الإرهاب ومحاولة ربطها بالإسلام الذي نؤمن بأنه دين سلام يحث على قيم التسامح والتعايش السلمي والتعارف وغيرها من القيم الإنسانية الخيرة، وهو ما نعتبره من صلب رسالة مختلف الأديان، حيث تسعى عموماً لتهذيب السلوك الإنساني، وتقليل نزعة الشر الكامنة في نفوس بعض البشر. وأعتقد أن سوء الفهم ما زال قائماً على رغم كثرة المحاولات الرامية لإيجاد أرضية للتفاهم بين مختلف الثقافات، وتتحمل جميع الأطراف المسؤولية، إلا أننا كمسلمين ربما نتحمل العبء الأكبر لأننا لم نعمل كثيراً على إيجاد استراتيجية تواصل حضاري، ولم نطور خطاباً إعلامياً فعالاً، وعلى سبيل المثال، فبعض الروابط الإسلامية العالمية متخلفة في خطابها، وغير قادرة على توحيد الخطاب الإعلامي في كيفية تقديمه ضمن مفهوم الثقافة الغربية. فهناك منجزات حضارية كثيرة ينعم بها البشر اليوم جاءت من الحضارة الإسلامية مثل اختراعات ابن الهيثم وغيره من علماء المسلمين. ولم نتمكن من الاستفادة من تقنية المعلومات وكيفية توظيفها لتقديم الصورة الناصعة لديننا وثقافتنا لمن لا يفهم الإسلام، ونكتفي دائماً بإصدار بيانات الشجب المعتادة. وفي الجانب الآخر في المشكلة، هناك اعتقاد في بعض الدوائر الغربية بأن الإسلام تحول إلى تهديد! لكونه يحمل دافعية قوية تجمع المسلمين مما يثير حفيظة البعض في الغرب ويجعلهم يعيشون حالة قلق من تزايد أعداد المسلمين في العالم. وفي المقابل، فنحن لم نسعَ أو نعمل على إيجاد مواءمة حضارية تجمع بين الأصالة والمعاصرة مما شكل مصدراً لتناقضات نفسية، تعتبر عاملاً مسبباً للازدواجية السلوكية. وربما تكون لانتشار الراديكالية الدينية أسباب ثقافية لأننا نترك الشباب دون حصانة وعي، ولا ندرك أننا نحن كمجتمعات هم من يتحمل المسؤولية، ولو بصفة غير مباشرة. ويزعم الكاتب الأميركي توماس فريدمان في مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان: «مشعلو الحرائق ورجال الإطفاء» أن النزوح نحو القومية والطائفية هو بفعل فاعل، وأن النيران تنطفئ فور إلقاء الضوء على الفاعل. وهذا الفاعل بكل تأكيد لا يخرج عن الدوائر المحلية أو الإقليمية، بتعاون واستهداف وتوجيه لفاعل آخر غير إقليمي، قد يعتقد أن خلق النزاعات المذهبية يحقق له أهدافه. وفي المقابل، فالسؤال المهم الذي يفرض نفسه هنا: هل إيجاد كيانات عرقية أو دينية أو مذهبية يحقق مصالح الغرب؟ قد يكون هنالك اعتقاد غربي يرى أن مثل هذه الكيانات يؤدي الغرض، ويضعف الشرق الأوسط العربي الذي قد يتمظهر في خريطة جغرافية جديدة! ومن الطبيعي أن يكون هناك تفاوت في المدارس الفكرية، وهناك توجهات مختلفة في تفسير ما يجري الآن في المنطقة، إلا أن ما يضعفنا هو غياب الخيارات المدروسة في التعامل مع المتغيرات المختلفة، خصوصاً أن ظاهرة الإرهاب لم تعد محصورة في حدود جغرافية معينة، حيث هناك جيل من المهاجرين في أوروبا بات هو أيضاً مستهدفاً بالتغرير ونشر نزعات العنف والتطرف، وهو ما يحير كثيرين في الغرب لكون بعض الجيل الثالث هو المنجذب الآن للفكر المتطرف. ومن ثم فإن الصراع يتفاقم، ولن ينجو الغرب منه، والأرجح أن حروب الهويات هي ما يواجه العالم اليوم. ويقول أحد المفكرين الغربيين، في هذا المقام، إن زيادة التوحش الرأسمالي تشكل أحد العناصر المؤثرة الدافعة لتفشي العنف والإرهاب. فالظاهرة إذن معقدة، ولا يمكننا حلها سوى باستيعاب طبيعة العولمة التي توسعت بقيمها المتوحشة، وأدت إلى نشر مزيد من الصراعات الثقافية بدلاً من الدفع نحو تقارب الثقافات الإنسانية.