في كل عام تصدر في دول غربية مختلفة تقارير وتتعالى أصوات تتحدث عن ممارسات خاطئة حول حقوق الإنسان في دول العالم النامي، في الوقت نفسه الذي تمارس فيه أنواع شتى من خروقات حقوق الإنسان في هذه الدول ذاتها، وهذا نمط محير من الهرطقة غير المفهومة حول حقوق الإنسان والشعارات والأقاويل التي تصدر بشأنها. لذلك وقبل كل شيء على الغرب أن يكون هو المثال الذي يحتذى به قبل أن ينتقد الآخرين في هذا المجال، أم أن «الجمل لا يرى بأن رقبته ذاته عوجاء»، لذلك فإن منطق تحقيق حقوق العدالة الإنسانية وحقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقق إذا ما كانت الجهات التي تصور نفسها بأنها الراعي الأكبر والحارس الأمين لحماية حقوق الإنسان على مدار العالم هي ذاتها منتهك رئيسي لهذه الحقوق وبطرق شتى. لذلك فإن من المنطقي أن نطرح هنا منظومة أساسية من الأسئلة التي تعنى بالأخلاقية السياسية لحقوق الإنسان، فما هو الهدف من حقوق الإنسان؟ وما الذي يكون عليه محتواها؟ وهل يوجد أساس أخلاقي وحيد لحقوق الإنسان من شأنه أن يطال جميع الثقافات، أم أنه توجد العديد من الأسس الأخلاقية لكل ثقافة بعينها؟ أم أنه توجد العديد من الأسس الأخلاقية لكل ثقافة بعينها؟ أم أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل؟ بأي معنى تكون حقوق الإنسان كونية إذا كان يوجد شيء من هذا القبيل؟ هذه التساؤلات هي من أصعب الأسئلة الحساسة التي يتم طرحها من قبل ما نسمع عنه هذه الأيام من طروحات حول حقوق الإنسان على مدار العالم، لكنها أسئلة لم تجد لها إجابات شافية من قبل كافة المهتمين بالمسألة في جميع أرجاء المعمورة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا بدأنا بالسؤال الأكثر جذرية وهو ما الغرض من حقوق الإنسان؟ فسنرى على الفور كيف أنه من الصعب التوصل إلى إجابة واحدة عليه يتفق عليها الجميع. ويبدو أيضاً أنه الأكثر صعوبة أن نرى كيف أنه من غير الضروري الإصرار على إجابة واحدة له، فحقوق الإنسان يمكن لها أن تخدم أغراضاً عدة، وتلك الأغراض يمكن التعبير عنها بطرق عدة، ليس عبر المجتمعات والثقافات المختلفة فقط، ولكن في داخل كل واحدة منها أيضاً، فلا توجد ثقافة رئيسية أحادية المعنى في إجابتها على هذا السؤال. من الممكن أن تتواجد العديد من الأسئلة الجيدة على سؤال وحيد كالسؤال المهم عملياً والمتعلق بالغرض من حقوق الإنسان، وهذا لا يجب أن يمنعنا من طرح إجاباتنا الخاصة،لاسيما وأنه إذا كان ذلك السؤال يتحدث إلى العديد من البشر حول حقوق الإنسان. وثمة ممارسات خاطئة ارتكبت ضد حقوق الإنسان في الغرب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي تضمنت غزو دول وإزاحة حكومات قائمة والحجز القصري للعديد من الأشخاص دونما سبب معروف، ومعاملة الطلبة الدارسين في تلك الدول وكأنهم مجرمون بناء على الهوية، وحرمان السجناء من النوم ورشهم الدائم بخراطيم المياه في معتقل جوانتانامو، وجميعها ممارسات تخالف المادة 3 من اتفاقية جنيف حول حقوق الإنسان التي تمنع دون مواراة المعاملة غير الإنسانية والاحتقار لسجناء الحرب. ومن غير المدهش أن هذا السجل الحافل من التغير أثار موجات غضب المواطنين في الدول المعنية ذاتها، بالإضافة إلى اتهامات بأن هذه الدول التي تنادي بحقوق الإنسان في الخارج هي التي تخترق تلك الحقوق على أراضيها وضمن مؤسساتها. والغريب في الأمر هو أن تلك الدول ترفض إجراء أي تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان على أراضيها، بل وترفض أية توصية وإن كانت بسيطة جداً كتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول حقوق الإنسان. إن رسالة هذه الدول إلى العالم عندما يتعلق الأمر بحماية حقوق الإنسان تبدو وكأنها، افعلوا كما أأمركم به ولا تسألوا عما أفعله أنا، فيا للعجب!