على مدى عقد من الزمان كان رئيس وزراء الهند «ناريندرا مودي» ممنوعاً من السفر إلى أوروبا بسبب أعمال الشغب التي اندلعت بين الهندوس والمسلمين في 2002 وأودت بحياة أكثر من ألفي مسلم عندما كان يشغل منصب كبير الوزراء في ولاية «جوجارت». وتم رفع الحظر قبل وقت قصير من تولي حزب «بهاراتيا جاناتا» السلطة، ليصبح مودي رئيس الوزراء. وفي الأسبوع الماضي، قام «مودي» بزيارات رسمية إلى القوى الصناعية في أوروبا، فرنسا وألمانيا، وأيضاً إلى كندا للترويج لحملته «اصنع في الهند». وتعد فرنسا شريكاً رئيسياً للهند في مجال الدفاع. وقبل يومين فقط من زيارة «مودي» لباريس، دشنت الهند الغواصة الأولى من بين ست غواصات من طراز «سكوربين» الحديثة تم تجميعها بواسطة شركة «دي سي إن إس» الفرنسية في ترسانة صناعة السفن في مومباي. وبحثت الهند وفرنسا عدداً من مشتريات الدفاع المهمة، تتضمن طائرتين «إيرباص 330 إس» لتخدم كمنصة لمشروع «أواكس» الهندي، علاوة على اثنين آخرين سيخدمان كناقلات جوية. وفي خطوة تتسم بالذكاء، وقع «مودي» في فرنسا اتفاقية لشراء 36 مقاتلة «رافال» في إحياء مفاجئ للاتفاق الذي ظل عالقاً لبعض الوقت بسبب مسائل تتعلق بالتكلفة. وسينطوي اتفاق «رافال» على مستوى غير مسبوق من تكنولوجيا النقل لتصنيع 108 من بين 126 مقاتلة في الهند، والتي سيشارك بها ليس فقط شركة «داسو» الفرنسية، وإنما أيضاً أكثر من 700 شركة أصغر لتقديم المكونات والتركيبات الفرعية. ووافقت فرنسا أيضاً على إقامة محطة نووية في ولاية «مهاراشترا» الهندية. ومن المنتظر أن يكون هذا واحداً من أكبر المشروعات من نوعها في العالم، حيث يتضمن إنشاء ستة مفاعلات ليس فقط لتوليد الطاقة، بل أيضاً للأعمال المدنية المهمة التي من شأنها توفير فرص عمل محلية، علاوة على إعطاء دفعة لقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة الذي سيوفر المكونات الأصغر للمشروع. وفي أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى كندا منذ أكثر من 40 عاماً، وقع «مودي» اتفاقاً لإمدادات اليورانيوم لمدة خمس سنوات بقيمة 280 مليون دولار في محاولة لتعزيز خطة الهند لزيادة قدرتها النووية. وكانت كندا هي أول دولة تساعد الهند من خلال امدادها بمفاعلات الماء الثقيل المضغوط في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وليس هذا هو الاتفاق الأول الذي تبرمه كندا مع الهند، لكنه يمثل أهمية كبيرة لكندا التي تلتزم الآن بتزويد الهند بـ 7.1 مليون رطل من مكثفات اليورانيوم كدليل على ثقتها في الهند. وفي ألمانيا، التي تعد قوة التصنيع في أوروبا، طرح «مودي» مشروع «اصنع في الهند»، وهو المشروع الذي أطلقه لدفع عجلة التصنيع في بلاده. وفي البلدان الثلاثة التي زارها، وقع «مودي» اتفاقات كبرى من شأنها تنشيط علاقات نيودلهي مع هذه الدول. كما روج رئيس الوزراء لحصول بلاده على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مشيراً إلى أن هذا هو حق الهند. وفي خطوة أخرى مهمة، قال إن الهند بصدد ضبط جدول أعمال محادثات التغير المناخي التي ستجرى في باريس في وقت لاحق من هذا العام. ومن ناحية أخرى، تم إلغاء زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى بروكسل نظراً لصمت الاتحاد الأوروبي حول موعد عقد قمة طال انتظارها مع الهند، والتي كان من المفترض عقدها خلال هذا الشهر. وجاء قرار إلغاء الزيارة قبل سفر وفد رفيع المستوى من أعضاء البرلمان الأوروبي، يضم البرلماني المسؤول عن العلاقات مع الهند، إلى نيودلهي، الأمر الذي وضع الوفد الأوروبي في موقف حرج. وعزا محللون سياسيون إلغاء الزيارة لمحاولات تعزيز موقف الهند التفاوضي في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة. ويذكر أن الهند تولي أهمية للمضي قدماً في محادثات اتفاقية التجارة الحرة ولكن بشروطها حيث يعد الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الرئيسي للهند. وعموما، فإن زيارات "مودي" خلال عام من توليه السلطة تعد استكمالاً لمجموعة من الجولات التي قام بها إلى دول العالم المتقدمة. وقد استهل هذه الجولات بزيارة الولايات المتحدة ثم اليابان وأستراليا والآن فرنسا وألمانيا وكندا. وتدل هذه الزيارات على اقتراب حكومة «مودي» من مجموعة من الدول تعد قلب عالم الصناعة والمال الحديث. وينظر إلى زياراته في إطار أهمية عقد القمم في العلاقات الدولية الحديثة. فالتعامل مباشرة مع رؤساء الحكومات من خلال خلق شيء من الكيمياء الشخصية عبر الاتصال الثنائي هو وسيلة أسرع لإنجاز العمل.