كانت ثورة عرابي تنبع من الدين وتحكمها الشريعة. وكان التدين بداية الثورة ومنطلقها. ويظهر ذلك كبذرة للثورة ضد الاستعمار في ثقافة عرابي وتربيته الدينية واستشهاده بالقرآن الكريم والحديث الشريف، أو بالتاريخ الإسلامي وبمواطن البطولة والفداء فيه. كما يظهر في دور مشايخ الأزهر في الثورة، سواء من ثار على الاحتلال مع عرابي باسم الدين أو من اعتدل وأخذ موقفاً وسطاً ثم تراجع باسم التجديد. ويمتد نسب عرابي إلى الحسين سيد الشهداء، رضي الله عنه، من خلال السيد صالح البلاسي (نسبة إلى بلاس من بطائح العراق) حتى الإمام موسى الكاظم كما يذكر عرابي في مذكراته. وكان عرابي يفخر بذلك قائلاً: «ليعلم أني عربي شريف الأرومة، مصري الوطن والنشأة والتربية، وهناك نشأتي ونسبي الشريف متصل بسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم». وكان أبوه شيخ قرية رزنة أو أحد مشايخها، ويذكر عرابي أيضاً في مذكراته أنه كان شيخاً جليلاً رئيساً لعشيرته، عالماً تقياً نقياً موصوفاً بالعفة والأمانة. وقد رتب درساً في الفقه في المسجد للعامة بعد عصر كل يوم وبعد صلاة العشاء ليتفقه الناس في الدين ولتصح عبادتهم. وقد تعلم عرابي القرآن الكريم وبعض العلوم الدينية في المكتب الذي أنشأه والده، ثم في الجامع الأزهر، ثم العلوم العسكرية فيما بعد. وكان شديد التقوى والإيمان. ونظراً لثقافته الدينية فقد كان عرابي يفسر الحوادث التي يمر بها تفسيراً دينياً ويحكم عليها بمنظور العقيدة والشريعة. فكان يرى أن كل شر حل بمن آذوه من الشراكسة مثل خسرو باشا وعثمان رفقي، انتقام من الله، ولكنه كان يرفض القتل غيلة والقصاص دون حكم شرعي. وفي رسالة بلغت إلى «جلادستون» تصوير لآراء عرابي على أنها ليست تكراراً للعبادات المتداولة في أوروبا الحديثة، ولكنها تقوم على أساس معرفة بالتاريخ والتقاليد الحرة للفكر العربي، تلك التقاليد الموروثة عن الإسلام. وكان في حياته الخاصة حتى في أحلك لحظاته في سجنه وفي منفاه وبعد عودته متمسكاً بإيمانه وبصلاته. وكانت مسبحته لا تفارقه، يدعو الله لزملائه أن يلهمهم الشجاعة. وكان أول ما فعله عرابي بعد سماع الحكم عليه بالنفي وعودته إلى سجنه، أن صلى لله شاكراً وأطال سجوده. ولما علم أن مكان نفيه جزيرة سرنديب (سريلانكا) فرح واستبشر. ولما توفي عبد العال حلمي رأى عرابي من كراماته اجتماع سراب الطير فوق نعشه تسير بسير الجنازة حتى ووري التراب! وفي سرنديب، عاش بين المسلمين العرب أو الهنود وكان محط أنظارهم. يزور أضرحتهم مثل ضريح السيد شهاب الدين، ويؤم مساجدهم، وهم يحتفون به باستيراد الطرابيش، وبطلق مدفع بجوار المسجد عندما يصلي فيه يوم الجمعة من كل أسبوع. ويفتتح مدارسهم كما افتتح مدرسة ميردانة الإسلامية التي بناها المسلمون على نفقتهم. وبعد عودته من المنفى قبّل أرض الكنانة، كنانة الله العزيز الحكيم، وصلى وألهج بأنواع الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى وشكر له إعادته سالماً بعد مرور تسعة عشر عاماً مكرهاً ذاق فيها الفراق وألم الغربة. وكان يصلي الجمعة في جامع الرماح بالناصرية أو بالسيدة زينب أو بالحسين وهو بلحيته البيضاء تشع من وجهه علامات الإيمان والورع والمسبحة لا تفارقه. وكان يتلو القرآن الكريم في أواخر أيامه، ويحرص على أن يؤدي أبناؤه الصلوات في أوقاتها. وكان يؤمهم، ويحفظهم القرآن، ويحبذ إليهم الاحتشام والجد. وقد قرأ عليه أحد أبنائه «نهج البلاغة» وهو غلام. وقد صدّر مذكراته كما يفعل أئمة الأعلام ومشايخ الإسلام بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله قائلاً: «الحمد لله الناشر في الخلق فضله، الباسط فيهم بالجود يده، نحمده في جميع أموره، ونستعين به على رعاية حقوقه ونشهد أن لا إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بأمره صادعاً، وبذكره ناطقاً، فأدى أميناً، ومضى رشيداً، وخلف فينا راية الحق، من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها زهق، من لزمها لحق. أحمده تعالى الذي جعل الحمد ثمناً لنعمائه، ومعاذاً من بلائه، وسبيلاً إلى جنانه، وسبباً لزيادة إحسانه، والصلاة على رسوله نبي الرحمة، وسراج الأمة، وإمام الأئمة، المنتخب من طينة الكرم، وسلالة المجد الأقدم، وعلى آل بيته مصابيح الظلَم، وعصم الأمم، ومنائر الدين الواضحة، مثاقيل الفضل الراجحة، صلاة تكون داء لفضلهم، ومكافأة لعملهم، وجزاء لطيب فرعهم وأصلهم ما أنار فجر وهدى نجم».