ما فتئت الصين تزداد أهمية من الناحية الجيوسياسية خلال العقدين الأخيرين، وفي 2010، ارتقى العملاق الصيني إلى مرتبة «ثاني أكبر اقتصاد عالمي». غير أن هذا النمو ما فتئ يثير قلق الولايات المتحدة وتوجسها، ولاسيما بالنظر إلى زيادة بكين لحجم إنفاقها العسكري وتزايد نزاعاتها الحدودية مع عدد من جيرانها، وهو ما رأى فيه البعض، ولاسيما داخل أميركا، جنوحاً صينياً إلى استعراض القوة والهيمنة في المنطقة، وطرحَ أسئلةً بشأن الطريقة المثلى التي يتعين على واشنطن أن تتعامل بها مع التنين الآسيوي في ظل هذا الصعود غير المسبوق. هنري بولسون، المدير التنفيذي السابق لمؤسسة «جولدمان ساكس» المالية ووزير الخزانة الأميركي السابق، تعامل مع النخبة السياسية والاقتصادية في الصين ونسج علاقات صداقة مع بعض شخصياتها خلال سنوات عمله هناك. فكرئيس لـ«جولدمان ساكس»، لعب بولسون دوراً محورياً في فتح الصين أمام المبادرة الخاصة، وكوزير للخزانة، أنشأ «الحوار الاقتصادي الاستراتيجي» بين أميركا والصين. كما تفاوض مع الصين حول الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة وعمل مع عدد من زعمائها الكبار، ومن بينهم «شي جينبينغ»، الرئيس الصيني الحالي. وفي كتاب «التعامل مع الصين»، الذي قد يصح وصفه بأنه ثمرة سنوات من العمل مع النخبة الصينية، يقدم بولسون جملةً من النصائح لواشنطن حول الكيفية التي يجدر بها أن تتعاطى من خلالها مع الصين. أما الوصفة التي يقترحها، فيمكن تلخيصها في التالي: التعاون البنّاء والواقعي مع الصين -بدلا من الصدام والمواجهة. فالصين قد تكون منافساً قوياً للولايات المتحدة، يقول بولسون، ولكن على هذه الأخيرة ألا تجفل من المنافسة. أما الفكرة القائلة بأن «النموذج الصيني» ربما يمثل شكلاً أقوى من أشكال الرأسمالية يتفوق على النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، فهي فكرة خاطئة تجانب الصواب وتؤثر في الطريقة التي ينظر بها بعض الناس إلى هذه العلاقة، وفق بولسون. وفي المقابل، يحاجج المؤلف بأنه يتعين على الأميركيين أن يقفوا إلى جانب الصين حتى تنجح لأن القيام بذلك يصب في مصلحة الولايات المتحدة نفسها، وذلك على اعتبار أنه سيكون من شبه المستحيل حل معظم التحديات التي تواجه عالمنا حالياً، من المشاكل البيئية والاقتصادية إلى الأمن الغذائي والانتشار النووي، إلا إذا عملت أهم قوتين عالميتين معاً وتعاونتا فيما بينهما. ولئن كان بولسون واضحاً بشأن الاتجاه الذي ينبغي على الولايات المتحدة أن تسير فيه، فإنه لا يتوانى عن انتقاد الطريقة التي تمارس بها واشنطن هذه العلاقة. وفي هذا الصدد، يبسط المؤلف ثمانية مبادئ لتوجيه صناع السياسات الأميركية نحو تعاون مثمر مع الصين. وبعض هذه المبادئ يمثل تكراراً لسياسات أميركية قديمة وطويلة، ومثال ذلك التشديد على أهمية دعم الخطوات التي تطالب داخل الصين بقدر أكبر من الشفافية والالتزام بالمعايير الدولية، غير أن بعضها الآخر يبدو أكثر تميزاً وتفرداً، حيث يحث بولسون الولايات المتحدة، على سبيل المثال، على «التحدث بصوت واحد» مع المخاطبين الصينيين الرسميين، منتقداً الإشارات الكثيرة المربكة التي كثيراً ما تبعث بها الدول الديمقراطية إلى بكين. كما يدعو واشنطن إلى أن تسعى لـ«أن تجد للصين مقعداً أفضل حول الطاولة»، وهو يقصد بذلك أن عليها أن تبادر بدعم أدوار قيادية للصين في منظمات دولية مثل منظمة التجارة العالمية. وبشكل عام، تميل نصائح بولسون وتوصياته إلى نسج علاقات أفضل مع الصين. ولئن كانت هذه الصيغة قد تُكسبه أصدقاء في بكين، فإنها ستقابل على الأرجح بامتعاض واستياء من قبل حلفاء الولايات المتحدة في آسيا -مثل اليابان- الذين تساورهم شكوك وتوجسات كثيرة بشأن المطالب الإقليمية لجارهم العملاق وطموحاته الاستراتيجية. محمد وقيف ------ الكتاب: التعامل مع الصين: كشف حقيقة القوة العظمى الاقتصادية الجديدة المؤلف: هنري بولسون الناشر: تويلف تاريخ النشر: 2015