لا تحتاج باريس الى تعريف. أما غاريسّا فهي المدينة الكينية التي كانت جامعتها مسرحاً لجريمة جماعية أودت بحياة 150 من طلابها وطالباتها. وفي باريس وقعت جريمة الاعتداء على صحيفة «شارلي إيبدو» التي ذهب ضحيتها اثنا عشر شخصاً. إلا أن تلك الجريمة الوحشية أدت إلى قيام أكبر مسيرة تضامنية مع فرنسا في التاريخ الحديث. وكان ذلك ضرورياً ومفيداً ومبرراً. فقد تزاحم قادة من مختلف أنحاء العالم في الصف الأمامي للتظاهرة للإعراب عن التضامن مع الشعب الفرنسي ومع حكومته ضد الإرهاب. وأما في غاريسا وعلى رغم أن عدد ضحايا المأساة يزيد على أكثر من عشرة أضعاف، فلم تعرف المدينة، ولا الدولة الكينية شيئاً من هذا التضامن الدولي الذي عرفته فرنسا وعاصمتها باريس. فلم تنظَّم مسيرة احتجاج، ولم يتوافد إلى العاصمة نيروبي متضامنون ومتعاطفون من دول العالم المختلفة. وحتى برقيات العزاء والتعاطف كانت محدودة! وتطرح هذه المفارقة علامات استفهام مؤلمة، منها على سبيل المثال: هل إن السبب في ذلك يعود إلى أن ضحايا باريس هم فرنسيون أوروبيون، وأن ضحايا غاريسا هم كينيون أفارقة؟ وهل إن قيمة الإنسان الأوروبي هي أغلى من قيمة الإنسان الأفريقي؟ أم أن الجريمة الإرهابية التي ترتكب في مجتمع أوروبي هي غير الجريمة الإرهابية التي ترتكب في مجتمع أفريقي؟ وفي فرنسا سقط ضحايا من المسيحيين واليهود والمسلمين معاً. أما في كينيا فقد تعمد الإرهابيون فصل الطلاب المسلمين عن المسيحيين، وقتلوا المسيحيين وحدهم بدم بارد. ولذلك فإن الجريمة التي ارتكبها الإرهابيون في كينيا هي أشد وحشية، ليس بسبب عدد ضحاياها فقط، ولكن بسبب طريقة تنفيذها أيضاً. فكيف إذن تفسر برودة رد الفعل العالمي على هذه الجريمة، مع حرارة رد الفعل على جريمة باريس؟ في العاصمة الفرنسية كان الضحايا من العاملين في صحيفة «شارلي إيبدو» مقصودين لذواتهم. وكان الإرهابيون يتعمدون النيل منهم، لاتهامهم بالإساءة إلى معتقداتهم الإيمانية. وإذا كانت الإساءة خطأ، فإن الجريمة كانت خطأ أيضاً، بل إنها خطيئة. أما في غاريسا فالضحايا لم يرتكبوا جرماً أو إساءة. كانوا طلاباً في حرم جامعتهم، وكل ذنبهم أنهم كانوا كينيين مسيحيين، مما يجعل من جريمة العدوان عليهم أكثر من خطأ وأكبر من خطيئة. وفي الحالتين، الفرنسية والكينية، فإن الإرهاب واحد. وهو الاعتداء على أبرياء، لتوجيه رسالة إلى طرف ثالث لإرهابه. ففي حال صحيفة «شارلي إيبدو» كان الطرف الثالث المعني هو الدولة الفرنسية ومن خلالها المجتمع الدولي. وفي حال جامعة غاريسا كان الطرف الثالث هو الدولة الكينية ومن خلالها الأمم المتحدة. وقد فهم المجتمع الدولي الرسالة فردّ عليها في باريس من خلال التضامن مع الحكومة الفرنسية. فكانت المسيرة التاريخية، وكانت الوقفات السياسية والإعلامية التي أدانت الإرهاب وأصحابه ونددت بالجريمة وبمرتكبيها وبالمحرضين عليها. غير أن الرد على جريمة غاريسا لم يعكس بهذا الفهم.. أو أن التعبير عنه لم يرتفع إلى المستوى الذي بلغه في فرنسا.. أو حتى إلى جزء يسير منه. أليس الإرهاب واحداً ولو تعددت مسارح عملياته؟ أوليس العالم كله في حالة حرب ضد هذا الإرهاب بصرف النظر عن هويته.. أو جغرافيته؟ أو ضحاياه؟ ثم أليست قيمة الحياة الإنسانية واحدة هنا وهناك وفي كل مكان؟ يبدو أن نيروبي فشلت حيث نجحت باريس في إثارة وفي استثمار موجة الغضب التي أطلقتها العملية الإرهابية التي تعرضت لها، الأمر الذي يطرح علامة استفهام أخرى هي: هل إن إثارة غضب الرأي العام صناعة يتقنها الغرب وتعجز عنها أفريقيا؟ أياً كانت الإجابة على هذه التساؤلات، فإن قيمة الغضب على الجريمة، تكمن في كونه تعبيراً عن ضمير إنساني حي. والضمير الحي هو الذي يحرك الإنسان الفرد، كما يحرك الجماعة الإنسانية. فالإرهاب الذي ضرب كينيا هو ذاته الإرهاب الذي يضرب الدول العربية.. امتداداً حتى مالي وتشاد ونيجيريا في قلب أفريقيا. ويتعين أن يكون الاستجابة في الرد عليه ومحاربته قوية وواسعة من كل الدول والشعوب، وفي حجم خطورة هذا التحدي الدولي الجارف.