عندما غادرت القوات الأميركية الخاصة اليمن خلال الشهر الماضي اعتُبر الأمر بمثابة الضربة الموجعة للجهود الأميركية المتواصلة لمحاربة تنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية»، وهو الجهد الذي سبق لأوباما أن أشاد به باعتباره نموذجاً باهراً لمواجهة الإرهاب وضرب معاقله، لكن رغم الخروج الأميركي من اليمن، تعهدت إدارة أوباما بمواصلة استهدافها لفرع «القاعدة» في اليمن الذي سعى في مرات عديدة إلى ضرب التراب الأميركي، ويبدو أن الإدارة قد أوفت بوعدها خلال الأسبوع الماضي، حين أكد التنظيم في تعليق على «تويتر» يوم الثلاثاء الماضي تعرض أحد مسؤوليه للقتل في غارة نفذتها طائرة من دون طيار، وهو ما أكده أيضاً مسؤولون أميركيون يوم الأربعاء المنصرم، مشيرين إلى مقتل القيادي في «القاعدة»، «إبراهيم الربيش»، وأن جهوداً تبذل حالياً للتحقق من مقتله، وفي الأحوال العادية ما كان هذا الخبر ليسترعي الانتباه، فمنذ 2011 نفذت الولايات المتحدة أكثر من مائة طلعة جوية بوساطة الطائرات من دون طيار، مستهدفة الفرع اليمني لتنظيم «القاعدة»، إلا أن الأمر يلفت الانتباه في ظل التطورات التي يشهدها اليمن منذ اجتياح «الحوثيين» لصنعاء، وما تلا ذلك من أحداث كان أهمها هروب الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تدعمه أميركا، وإطلاق حملة «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية. ولمزيد من التعقيد تحارب ميلشيات «الحوثي» التي أطاحت الرئيس هادي «القاعدة» التي تستهدفها أميركا، لكن هذه الأخيرة شرعت في تزويد الحملة السعودية بالمعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي، ما يعني أن الولايات المتحدة تعمل في اليمن ضد من يحارب «القاعدة» وهم «الحوثيون»، فيما هي في العراق تقاتل إلى جانب من يدعم «الحوثيين»، وهي إيران، وهذا الواقع اليمني المستجد والمعقد يحرم أميركا من شريك على الأرض، أو قوات أميركية تستطيع تحديد الأهداف المحتملة ورصد عناصر «القاعدة» الذين يمكن قصفهم بالطائرات من دون طيار، وكما أكد ذلك «آكي بيرتز»، المحلل المتقاعد في وكالة الاستخبارات المركزية، قائلاً «من الصعب استخدام الطائرات من دون طيار، عندما لا يكون لديك أناس على الأرض يمدونك بالمعلومات الاستخباراتية»، مضيفاً أن الحل يكمن «في استخدام ما هو موجود حالياً في اليمن من موارد، مثل الإشارات الإلكترونية، أو المخبرين، فضلاً عن التكنولوجيا التي يمكنها اعتراض المكالمات التليفونية، والرسائل الإلكترونية التي يرسلها الإرهابيون». ويبدو أن التطورات المتلاحقة في اليمن كانت ضمن انشغالات المسؤولين الأميركيين المتخوفين من سير عملية استهداف «القاعدة»، فبعد إغلاق السفارة الأميركية في صنعاء خلال شهر فبراير الماضي، علق النائب في الكونجرس ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، «ديفين نونز»، قائلاً «يمثل الانقلاب في اليمن والوضع الأمني المتدهور مصدر انشغال لنا لما قد يؤديه ذلك إلى إعاقة الحملة الأميركية ضد القاعدة». ورغم ما تنطوي عليه هذه المخاوف من مشروعية، إلا أن قصف الطائرات من دون طيار استمر دون هوادة، فحسب «نيو أميركان فوندايشن»، المنظمة التي تتعقب الطائرات من دون طيار، استخدمت الولايات المتحدة تلك الطائرات مرتين الأولى في 28 فبراير الماضي والثانية خلال 2 مارس المنصرم، ثم كانت هناك الضربة الأخيرة في الأسبوع الماضي التي طالت أحد قادة «القاعدة»، ويعتقد أنها نالت منه، وفيما أكد لي أحد المسؤولين الأميركيين أن الضربات الأميركية باستخدام الطائرات من دون طيار ستستمر، إلا أنه اعترف بأن فقدان الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي كان متعاوناً مع الجهود الأميركية لمحاربة الإرهاب يشكل بالفعل إشكالاً حقيقياً، فكيف يمكن التغلب على هذا الأمر؟ يكمن الجواب في الاعتماد على القواعد الإقليمية لانطلاق الطائرات من دون طيار، سواء كانت في دول، مثل جيبوتي القريبة من اليمن، هذا فضلاً عن إطلاق صواريخ تستهدف عناصر «القاعدة» من القطع العسكرية المتحركة في البحر الأحمر، أو بحر العرب. إيلي ليك: كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»