ذات مرة أرسل لي صديق بطاقة تهنئة بعيد الميلاد، كتب عليها بخط يده: «عسى أن يتم الاعتراف بإبادتكم الجماعية في هذا العيد!»، وكلما تذكرتها أضحك بصوت مرتفع، لأنها تلمس شيئاً ما بشأن أزمة غريبة وعميقة بين تركيا والشعب الأرميني. وقبل مائة عام مضت، وإبان هيمنة الإمبراطورية العثمانية تم قتل ما يتراوح بين مليون ومليون ونصف المليون شخص أرميني. والحكومة التركية لن تعترف بهذه الحقيقة التاريخية. وهددت تركيا مراراً وتكراراً، وأحدثها في عام 2007، بإغلاق قواعدها أمام الطائرات الأميركية إذا مرر الكونجرس بياناً غير ملزم يعترف بأحداث عام 1915 كإبادة جماعية، وتجدي أساليب الحكومة التركية نفعا، فتم وأد القرار الذي كان يحظى بأصوات كافية لتمريره في مهده بوزارة الخارجية الأميركية. والولايات المتحدة ليست الهدف الوحيد لمحاولات الرقابة هذه، وبتشجيع من حكومة بلادها، حشدت المنظمات التركية في المهجر حملة عام 2009 لمنع مجلس إدارة كلية «تورونتو» من إدخال الإبادة الجماعية الأرمينية ضمن منهج حقوق الإنسان. وفي عام 2010، نجحت أنقرة في الضغط على الحكومة الرواندية من أجل تغيير عرض موضوع الإبادة الجماعية الأرمينية أمام لجنة خاصة في الأمم المتحدة. وفي عام 2012، نجحت الحكومة التركية في مسعاها بمطالبة الحكومة البريطانية بأمر معرض «تيت جاليري» بإزالة كلمة «إبادة جماعية» من نص جداري في معرض الفنان «أرشيل جوركي». وينتظر المجتمع الأرميني منذ قرن كي يقف المجتمع الدولي في وجه تركيا، ولا ينبغي أن ينتظر فترة أطول من ذلك. وتُحلّق كلمة «اعتراف» في أفق تاريخ الإبادة الجماعية الأرمينية مثل صقر في يحلق في السماء. وقضية الاعتراف ليست «فكرة مجردة» أو «لعبة تصريحات رنانة»، وإنما تتعلق بالمسؤولية والعدالة الاجتماعية والإصلاح بعد واحدة من أكثر جرائم حقوق الإنسان حدة في عصر الحداثة: تلك الجريمة التي كانت أداة في صياغة «رافييل ليمكن» مصطلح ومفهوم «الإبادة الجماعية». وقال أوباما «لا يمكن لأي ديكتاتور في أي مكان أن يبدأ فرض رقابة هنا في الولايات المتحدة، لأنه لو تمكن شخص من إخافة الجموع من إصدار فيلم ساخر، فتخيل ماذا سيفعلون عندما يرون فيلما وثائقياً أو تقارير إخبارية لا يحبذونها، والأسوأ من ذلك تخيل لو أن المنتجين والموزعين بدؤوا إجراء رقابة ذاتية لأنهم لا يرغبون في الإساءة إلى مشاعر أحد». وقد سبق أوباما غيره من الرؤساء في مواجهة القادة الأتراك عندما طلب منهم التعامل مع أحداث عام 1915 بأمانة، مثلما فعل في عام 2009 أثناء زيارته إلى تركيا، ولكن عليه أن يستمع إلى حكمته الخاصة وينأى عن الرقابة الذاتية. وعلى الحكومة التركية أن تتوقف عن التدخل في الأحداث التاريخية والحرية الفكرية في المجتمعات الديمقراطية، وعليها أن تنصت لكثير من مواطنيها الملتزمين أخلاقياً الذين يبحثون بجد عن الحقيقية في تركيا، والتخلص من اللعنة لا يحتاج إلى سحر، وكل ما يتطلبه هو قيادة أخلاقية. بيتر بالاكيان: أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة «كولجيت» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»