في وقت يتحدث فيه الجميع عن تقليص موازنة الدفاع في أميركا فإنه من الضروري التساؤل عن سبب كشف سلاح الجو عن خطة لإنقاق مليارات الدولارات الإضافية حتى تكون للرئيس بعد عشر سنوات من الآن فرصة الاختيار بين أكثر من سلاح إذا أراد شن هجوم نووي باستخدام قاذفات القنابل. والحقيقة أن مثل هذا الاختيار يضع استراتيجية استعمال السلاح النووي بأميركا في خانة اللامعقول، علماً أنها حافظت على هذه السمة منذ الحرب العالمية الثانية، فخلال مناقشة قضايا دفاعية يوم الأربعاء الماضي بلجنة الخدمات العسكرية كجزء من تحديد موازنة الأسلحة النووية في العام 2016 وُجه سؤال مهم للجنرال في سلاح الجو الأميركي، جاريت هارنيكاك، عن الحاجة إلى صاروخ نووي بعيد المدى يتم تحميله في طائرة قاذفة إذا كان لدينا طائرة تحمل قنبلة نووية يتم إلقاؤها جواً، فأجاب أنه بامتلاك القدرتين، أي إطلاق الصاروخ المحمل برأس نووي من طائرة قاذفة، ومعها القدرة أيضاً على إلقاء قنبلة نووية تقليدية يضع دفاعات العدو في مأزق حقيقي، لكنه أضاف بأن الأمل دائماً ألا تضطر أميركا إلى استخدام أي من القدرتين، وفي نفس السياق أضاف روبرت شير، مساعد وزير الدفاع للشؤون الاستراتيجية والتخطيط والقدرات، قائلاً «يجب ألا نكون في موقف نعطي فيه للرئيس خياراً واحداً». ويبدو أن هاتين القدرتين اللتين ستُمنحان للرئيس، بحيث يمكنه إطلاق صاروخ من على طائرة مقنبلة، أو إسقاط قنبلة تقليدية دخلت حيز التطوير بصرف النظر على الكلفة الباهظة. وحسب التقديرات ستصل كلفة 80 إلى 100 صاروخ نووي من الطراز المقترح للتطوير نحو 550 مليون دولار للواحد، بمعنى أن الكلفة النهائية ستتجاوز 55 مليار دولار، رغم أن ليس كل الصواريخ ستكون نووية، هذا في الوقت الذي ستكلف فيه القنبلة النووية المقترحة أيضاً للتطوير 10 مليارات دولار ككلفة إجمالية، كل هذه التكاليف الباهظة تفرض سؤالا حول الحاجة الحقيقية لهذه الأسلحة المتطورة، والقدرات الفعلية التي تحتاجها الولايات المتحدة للتصدي لهجوم نووي، لا سيما وأن الرئيس الأميركي سيكون بإمكانه أيضاً استخدام الخيارات المتاحة مسبقاً لديه والمتمثلة في أكثر من ألف صاروخ مزود برأس نووي يوجد حالياً في الترسانة الأميركية سواء تعلق الأمر بالصواريخ المحمولة جواً، أو تلك التي تطلقها القطع البحرية في المحيطات، أو تلك التي تحملها الغواصات والقادرة على عبور القارات والوصول إلى الأهداف البعيدة. وبالطبع كانت الأسلحة النووية مبررة ربما في أجواء الحرب الباردة وسياسية توازن الرعب بين القوتين العظمتين، بحيث وصلت الترسانة النووية في البلدين إلى 10 آلاف قطعة قبل عقدين، وهو العدد الذي تم خفضه على نحو مهم بفضل معاهدات الحد من الأسلحة الاستراتيجية التي وقع عليها البلدان. والمشكلة أن الثغرات التي تنطوي عليها معاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية الموقع عليها في 2010 والخاصة بالحد من الصواريخ النووية في عدد لا يتجاوز 1550 لكل منهما تتيح للطرفين تطوير قدراتهما النووية، وعلى سبيل المثال يتم التعامل مع الطائرات المقنبلة على أنها قطعة نووية واحدة، رغم أنها في الحقيقة تستطيع حمل صواريخ عديدة، وبالإضافة إلى الخطط المقترحة التي يفترض أن تكون جاهزة بعد عشر سنوات هناك أيضاً خطط أبعد تهم تطوير غواصات استراتيجية قادرة على إطلاق صواريخ نووية متطورة ستدخل الخدمة بحلول 2050، ويبدو أن هذا الجري المحموم لتعزيز القدرات النووية للجيش الأميركي يندرج تماماً في تصريحات أوباما في العام 2009 عندما حدد هدفه في «عالم خال من الأسلحة» ثم أردف قائلا «لكني لست ساذجاً فأنا أعرف جيداً أن هذا الهدف لن يتم التوصل إليه بسرعة.. ربما ليس في المدى المنظور». والتر بينوكس: محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»