لدى «راغورام راجان»، محافظ البنك المركزي الهندي، نظرية بشأن أسباب ضعف الأداء الذي ُمُنيت به الاقتصادات الثريّة مؤخراً، وهي أنها أنظمة منافقة؛ فعندما تواجه الاقتصادات الفقيرة صعوبات، تطلب منها دول الجوار الثرية إصلاحات هيكلية تهدف إلى جعل الاقتصاد العالمي أكثر نشاطاً، ولكنها تستثني نفسها من الدواء المرّ ذاته. و«راجان» ليس وحده الذي يدعو إلى الاقتصادات النامية كي يكون لها قول فصل في الاقتصاد العالمي، بل وبينما يحضر المسؤولون في واشنطن اجتماعات الربيع التي يعقدها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من المنصف أن نتساءل أي شيء ستفعله دول، مثل الهند والصين وإندونيسيا لو كان لديها التأثير في هذه المؤسسات التي تقدرها. وفيما يلي ثلاثة مجالات كانت الاقتصادات الناشئة ستتعامل معها على الأرجح بصورة مختلفة، مستلهمة خبراتها الخاصة. أولاً: كانت الاقتصادات الناشئة ستصر على أن يعتمد الاقتصاد العالمي بصورة أقل على السياسات النقدية، فبعد الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997-1998، منح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حكومات المنطقة قائمة مهام طويلة تتضمن: خفض الديون وتطبيق إصلاحات هيكلية مؤلمة والحفاظ على سياسات نقدية منطقية، ولكن بعد انهيار نظامه المالي في عام 2008، أطاح الغرب كل هذه التوصيات، باستثناء بيانه إزاء السياسات النقدية الميسرة. وبالنظر إلى أن «مجلس الاحتياطي الفيدرالي» (البنك المركزي الأميركي) هو النموذج الأول، فإن برامج التيسير الكمي التي وضعها مكنت الغرب من تأجيل معالجة جذور مشكلاتها الاقتصادية، وتسببت في إغراق الاقتصادات الأصغر باستثمارات غير مستقرة. ويوضح «راجان» أنه لو أن الدول النامية في آسيا قلّدت سياسات واشنطن النقدية، أو تلك التي ينتهجها البنك المركزي الياباني أو نظيره الأوروبي، لاتهمت بالتلاعب بالعملات ولألقي باللوم عليها في مناقشات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وثانياً: ترغب الدول النامية أن تصبح المؤسسات الاقتصادية العالمية أكثر استجابة للاحتياجات الإقليمية، وبصورة أكثر دقة، تود لو أن مؤسسات، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تُعجّل تنفيذ إصلاحات من شأنها التخلص من غياب المساواة عالمياً. ومثلما كتب «يوكون هوانج»، المدير الأسبق للبنك الدولي، مؤخراً في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، «إن الصين تدفع باتجاه إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، كتعبير عن رغبتها في فعالية واستجابة أكبر من المؤسسات الدولية لوجهات النظر الآسيوي»، موضحاً «إن الغرض ليس مجرد نسخ (أعلى معايير) المؤسسات القائمة، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الآسيوي، ولكن استغلال هذه الفرصة الفريدة في ترسيخ المعايير الصحيحة»، على أن تتضمن هذه المعايير انحساراً للبيروقراطية والغرور، وتركيزاً أكبر على تقييمات الحكومات المحلية لفوائد وتكاليف المشاريع، وعملية صنع قرار أكثر ذكاء وواقعية. وأخيراً: ترغب الدول النامية في الحصول على شريحة أكبر من تسليط الأضواء في إدارة المؤسسات، وفي توصيف العيوب الخاصة بالغرب، وتعتقد أن العالم المتقدم ينبغي أن يظهر مزيداً من التواضع على الساحة العالمية. وتظهر بعض المقاييس أن الاقتصاد الصيني أكبر بالفعل من نظيره الأميركي، والاقتصاد الهندي من جانبه قد يتفوق على الاقتصاد الصيني خلال العام الجاري للمرة الأولى منذ عام 1999. وفي هذه الأثناء، تطالب الولايات المتحدة وأوروبا الصين والدول الآسيوية الأخرى بدفع المزيد لتمويل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بينما تحتفظ بالحق في إدارة هذه المؤسسات لنفسها! وفي ضوء تحذير مديرة صندوق النقد الدولي، «كريستين لاجارد»، من الركود، من الواضح أن الغرب يناضل من أجل إدارة الاقتصاد العالمي، ويبدو من المبرر أن تحصل الاقتصادات الثرية على جرعة من التواضع، وربما يساعدها على النمو بصورة أسرع أن تنفتح على قليل من الانتقادات. ويليام بيسك كاتب متخصص في الشؤون الآسيوية يُنشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»