على رغم النقاش الدائر حالياً في الساحة العربية حول عاصفة الحزم ما بين مؤيد متحمس ومؤيد متحفظ ومعارض، فإن ثمة أغلبية واضحة تعتبر أن قرار عاصفة الحزم وما تلاه من قرار للقمة العربية في شرم الشيخ بإنشاء قوة عربية مشتركة، يمثلان بداية جديدة للنظام العربي ينفض بموجبها عن كاهله غبار العجز والاعتماد على الغير. والواقع أن إمعان النظر في خبرة النظام العربي في نصف القرن الماضي تشير إلى أن آخر قرار عربي استراتيجي مستقل كان قرار حرب أكتوبر 1973، فقد دخلت مصر وسوريا الحرب بخطة مشتركة ساعة الصفر فيها واحدة، وشاركت في القتال أو تقديم تسهيلات عسكرية تسع دول عربية، ناهيك عن قرار حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة لتأييدها الفاضح إسرائيل وإلى كل من يحذو حذوها مع تخفيض الإنتاج بنسبة 5 في المئة شهرياً تفادياً لتراكم فائض في سوق النفط العالمي تستفيد منه الدول التي تم فرض الحظر عليها. غير أن هذه السمفونية الرائعة لتحقيق الأمن القومي العربي قد تعثرت على إيقاع اتفاقيتي فض الاشتباك الأولى والثانية على الجبهة المصرية في 1974 و1975 على التوالي. والأهم من ذلك بدء السياسة المصرية الجديدة للتسوية السلمية مع إسرائيل اعتباراً من 1977 التي بلغت ذروتها بتوقيع معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية في 1979 وما أدت إليه من انقسام مصري- عربي كان له أسوأ الأثر على الأمن القومي العربي. غير أن هذا الأثر قد تواضع كثيراً أمام كارثة غزو الكويت في 1990 وما أدت إليه من انتهاك لمفهوم الأمن القومي العربي، ثم انهيار هذا المفهوم بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003. ومع انتكاسة الربيع العربي ودخول عديد من الدول العربية في نفق مظلم من عدم الاستقرار والتفكك والتعرض لموجات عاتية من إرهاب غير مسبوق بدا أن الأمن القومي العربي يلفظ أنفاسه الأخيرة. وفي مواجهة التطورات السابقة بدأ طرح أفكار جديدة لتعزيز الأمن القومي العربي ومنها فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة التي طرحها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي غير أن مؤشرات الاستجابة لهذه الفكرة ظلت غير واضحة على رغم اقتراب موعد انعقاد قمة شرم الشيخ في مارس الماضي. ثم كانت الاندفاعة الحوثية الحمقاء لمحاولة استكمال السيطرة على اليمن، واقتحام الجنوب حيث يتحصن الرئيس الشرعي لاجتثاث أي مقاومة لهم، نقطة فاصلة في الموقف برمته، حيث اتخذت السعودية ودول مجلس التعاون عدا سلطنة عمان بمشاركة مصرية وعربية واسعة قرار التدخل العسكري في اليمن لمنع سقوطه نهائياً في أيدي الحوثيين الذين تدعمهم إيران. وكانت القيمة الكبرى لهذا القرار أنه قرار عربي مستقل لم تستأذن فيه الولايات المتحدة أو غيرها على نحو ذكرنا بقرار حرب أكتوبر 1973 الذي تم في إطار سياسة «الاسترخاء العسكري» المعلنة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت. ومن الأهمية بمكان أن القوى العظمى والكبرى لم تجد مفراً من تأييد القرار أو على الأقل عدم الاعتراض عليه كما أوضح ذلك بجلاء قرار مجلس الأمن الأخير الذي وافق عليه جميع الأعضاء عدا روسيا التي اكتفت بالامتناع عن التصويت. ومن ناحية ثانية ساعد تفاقم الخطر الحوثي- الإيراني على اليمن والاضطرار إلى استخدام القوة العسكرية لمواجهته على إقرار قمة شرم الشيخ إنشاء قوة عربية مشتركة يجري حالياً البحث في تفاصيلها. ويتفاءل كثيرون بالتطورات السابقة باعتبارها تمثل بداية جديدة للنظام العربي غير أن البعض يرى أن عاصفة الحزم ما زالت لم تستكمل تحقيق استقرار اليمن ووحدته والوضع اليمني أصلًا بالغ التعقيد، وتجاربنا السابقة مع محاولات إنشاء قوات عربية مشتركة لا تبعث على كثير تفاؤل، وقد تكون لدى غير المتفائلين مبرراتهم، ولكن النجاح في مواجهة التحدي يستحق بذل الجهد حتى ولو كان مضنياً. وأول طريق النجاح هو الإدارة الواعية لعاصفة الحزم والاستفادة من خبرة الفشل في المحاولات السابقة لإنشاء قوات عربية مشتركة، والمبادرة بحلول سياسية قادرة على تجاوز الأوضاع المأساوية في عدد من الدول العربية، وتسريع عمليات التحديث الداخلي في الوطن العربي، والتمسك باستقلالية القرار العربي كما بدت واضحة في عاصفة الحزم وقمة شرم الشيخ.