وحدها الأزمة اليمنية التي جعلت اسم إسماعيل ولد شيخ أحمد يتردد كثيراً في وسائل الإعلام، فالدبلوماسي الموريتاني تم ترشيح اسمه كمبعوث أممي لليمن خلفاً للمغربي «جمال بنعمر»، هذا الأخير قد نفد صبره، في مهمة كادت تُكمل عامها الرابع، حيث أخفقت مساعيه في إيجاد حل سياسي لمعضلة اليمن الراهنة، بل وتعرض لاتهامات تتعلق بمساواته بين الشرعية في اليمن والانقلاب «الحوثي»، ناهيك عن استياء خليجي جراء تسريبات مفادها أنه وعدَ أحمد علي عبدالله صالح بقيادة اليمن، أو أنه تعرض لخداع «الحوثيين» الذين شرعوا في التفاوض معه بالتزامن مع توسعهم في الاستيلاء والهيمنة على اليمن، وهذا ما بدا واضحاً منذ سبتمبر 2014 أي عندما هيمنوا على العاصمة اليمنية صنعاء. وأياً كان سبب خروج «بنعمر» من المعترك اليمني، وبغض النظر عن مهمته التي تجاوزتها الأحداث سريعاً، خاصة بعد ما تغير المشهد اليمني، جراء «عاصفة الحزم»، التي تنشد الانتصار لشرعية الرئىس اليمني عبدربه منصور هادي القائمة على المبادرة الخليجية، والطامحة إلى نزع فتيل صراع سياسي أججه «الحوثيون» بعد انقلابهم على هذه الشرعية، فإن المهمة المرتقبة لإسماعيل ولد شيخ أحمد، تأتي وفق معطيات جديدة، تختلف تماماً عن تلك المعطيات التي تعامل معها «بنعمر» منذ أغسطس 2012. فأولاً ستكون مفاعيل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الذي تم إقراره في 14 أبريل الجاري، تحت البند السابع، على رأس أجندة المبعوث الأممي الجديد لليمن حال تكليفه رسمياً بالمنصب، وعندئذٍ ستكون مهمته أصعب بكثير من مهمة سلفه، ذلك أن القرار ينص في جزء منه على الكف عن استخدام العنف وسحب «الحوثيين» قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة الإضافية التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، بما في ذلك منظومات القذائف، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية في اليمن. والتحقق من سريان القرار يستوجب إعداد تقرير لرصد مدى الالتزام به، وعرضه على مجلس الأمن مرة أخرى، لمعرفة ما إذا كان الأمر يحتاج إجراءات جديدة. وثمة شق سياسي للقرار الأممي يتضمن دعوة كل الأطراف اليمنية، ولا سيما «الحوثيون»، إلى الالتزام بمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها. وكذلك الالتزام بنتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، واستئناف وتسريع المفاوضات الشاملة لجميع الأطراف التي تجري بوساطة من الأمم المتحدة، والتي تتناول أموراً من بينها المسائل المتعلقة بالحكم، وذلك من أجل مواصلة عملية الانتقال السياسي بهدف التوصل إلى حل توافقي. ولد شيخ أحمد من مواليد عام 1960، وهو سيحمل على عاتقه مهمة أممية جديدة (عسكرية- سياسية)، يتعلق شقها الأول بوقف العنف وتخلي «الحوثيين» عن السلاح حتى يتسنى تفعيل الحوار السياسي في الشق الثاني. السيرة الذاتية لولد شيخ أحمد، تقول: إنه منغمس في قضايا العالم النامي بكل ما يطغى عليها من أزمات وحتى أوبئة، وسلاحه في التعاطي مع هذه القضايا يكمن في تكوينه العلمي، حيث نال درجة الماجستير في تطوير الموارد البشرية من جامعة مانشيستر البريطانية، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة «مونبلييه» الفرنسية، وحاصل على شهادة عليا في الاقتصاد وتحليل السياسات الاجتماعية من جامعة ماستريخت الهولندية. وعمل خلال الفترة من 2008 إلى 2012 منسقاً مقيماً للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في سوريا، وشغل المنصب نفسه في اليمن من 2012 إلى 2014، وشغل عدة مناصب في «اليونيسيف» (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، وتولى منصب مدير إدارة التغيير بالمنظمة في نيويورك، وشغل منصب نائب المدير الإقليمي لليونيسيف في شرق وجنوب شرق آسيا بالعاصمة الكينية نيروبي، وكان مندوبا للمنظمة في جورجيا. وفي مطلع 2014، تمتع يين ولد شيخ أحمد نائباً لمبعوث الأمم المتحدة الخاص في ليبيا، وفي ديسمبر 2014 ترأس بعثة الأمم المتحدة لمكافحة فيروس «إيبولا». والتساؤل الآن: هل يستثمر «ولد شيخ أحمد» خبرته في المجال التنموي لانقاذ ما يمكن انقاذه في اليمن؟ وهل ينجح في ما فشل فيه «بنعمر»؟ وربما هذا التساؤل ينبغي أن يأتي مسبوقاً بآخر مؤداه: هل يفضي التجاذب الروسي- الأميركي حول الأمة اليمنية الراهنة عن تعطيل قرار تعيين «ولد شيخ» خلفاً لـ«بنعمر» خاصة أن موسكو تعترض عليه، ففي العادة عندما يتعلق الأمر يتعيين مبعوثاً في مهمة كبيرة من هذا النوع يعرض الأمين العام للأمم المتحدة أسماء المرشحين لشغل المنصب على الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. روسيا رفضت تعيينه، في موقف يُضاف إلى امتناعها عن التصويت على القرار قم 2216، لأن المجلس لم يراع تحفظات موسكو على القرار. وعلى أية حال يظل «ولد شيخ» مؤهلاً للتعامل مع «الدراما اليمنية»، ليس فقط لأن خبرته في المهام الأممية تقترب من ثلاثة عقود، بل أيضاً لأنه خَبِر المنطقة خلال هذه المهام عبر العمل في سوريا واليمن وليبيا. وحتى ترأسه لبعثة الأمم المتحدة لمكافحة «إيبولا» تضعه أمام واقع المجتمع الدولي الذي عادة ما يتأخر في دعم المناطق المنكوبة أو احتواء الأزمات المتفاقمة. طه حسيب