تشكل أنواع القمامة، وطرق التخلص منها، وأماكن تجميعها، إحدى قضايا الصحة العامة، وخصوصاً على صعيد إجراءات الوقاية من انتشار الأمراض المعدية، حيث تشكل النفايات التي تساء إدارتها، نقطة جذب للقوارض والحشرات، التي تعتبر مصدراً رئيسياً للطفيليات المعدية، ولفيروس الحمى الصفراء، وللديدان، وميكروب الطاعون، وغيرها من الأمراض المُعدية، التي يمكنها أن تنتقل بسهولة للمجتمعات السكانية القريبة من أماكن تجمعها. كما تشكل النفايات التي تساء إدارتها خطراً إضافياً، يتمثل في المواد الكيماوية السامة التي تحتويها، والتي يمكنها هي الأخرى التسبب في الإصابة ببعض أنواع الأمراض السرطانية، وخصوصاً إذا ما لوثت المياه السطحية، أو مصادر المياه الجوفية، أو التربة، أو الهواء، وهو ما من شأنه أن يمد نطاق التأثيرات السلبية لتلك المواد السامة، لتشمل الإنسان، وبقية أشكال الحياة الأخرى، والنظام البيئي برمته. وتعتبر نفايات ثورة المعلومات، وهو مصطلح أو عبارة شاع استعمالها في الآونة الأخيرة، من أخطر مصادر الملوثات الكيماوية السامة التي تنتج عن القمامة. ويشير هذا المصطلح إلى القمامة الصلبة، التي تشكل جزءاً لا يستهان به من القمامة الإلكترونية (e-waste)، الناتجة بعد انتهاء العمر الافتراضي لأجهزة المعلومات، من كمبيوترات، وطابعات، وماسحات ضوئية، وأجهزة هاتف محمول، وغيرها. فالمدقق في الآثار البيئية التي تنتج عند التخلص من أجهزة المعلومات، لابد أن يدرك بسهولة أن تلك الأجهزة أصبحت أحد أخطر مصادر التلوث البيئي في مجتمعاتنا الحديثة. ويعتبر السبب الأساسي في كون أجهزة تقنية المعلومات مصدراً خطيراً للتلوث، هو احتواؤها على العديد من المواد الكيماوية السامة جداً، مثل عنصري الرصاص و«الكادميوم»، في الشاشات العادية واللوحات الكهربائية الداخلية، وعنصر الزئبــق في الشـاشات المسـطحة، بينما يحتوي الجسم الخارجي للكمبيوترات على مركبات كيمياوية سامة، تستخدم بغرض زيادة مقاومة الشاشات للحريق. ولكن على رغم النسبة المرتفعة لنفايات ثورة المعلومات ضمن القمامة الإلكترونية، إلا أن ما يعرف بالبضائع البيضاء في عالم التجارة والمبيعات، يشكل على ما يبدو، الجزء الأكبر من القمامة الإلكترونية، حسب دراسة نشرت هذا الأسبوع. ويشير تعبير البضائع البيضاء (White Goods)، إلى الأجهزة المنزلية الموجودة في المطابخ مثل الثلاجات، وأفران الغاز، وأفران الميكروويف، وغسالات الصحون، أو تلك التي قد تتواجد في حمامات المنازل، مثل غسالات الملابس، والتي غالباً ما تكون بيضاء اللون. وحسب هذه الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة الأمم المتحدة، شكلت الأجهزة أو البضائع البيضاء، نسبة 60 في المئة من حوالي 42 مليون طن من القمامة الإلكترونية في عام 2014، أعيد استخدام أو تدوير 16 في المئة فقط منها. واحتلت الولايات المتحدة رأس قائمة الدول المنتجة لأكبر حجم من النفايات الإلكترونية الناتجة عن الأجهزة البيضاء، بأكثر من 7 آلاف كيلوطن العام الماضي، تليها في ذلك الصين، بأكثر من 6 آلاف كيلوطن، ثم اليابان بـ2200 كيلو طن في نفس العام. وعلى صعيد المناطق الجغرافية، كانت الدول الأوروبية هي الأكثر إنتاجاً للقمامة الإلكترونية الناتجة عن البضائع البيضاء، بأكثر من 28 كيلوجرام للشخص الواحد، بينما كانت القارة الأفريقية أقلها، بمعدل 1,7 كيلوجرام للشخص الواحد. وتُعزى هذه الزيادة إلى انتشار استخدام الأجهزة المنزلية بين جميع شعوب العالم، بالإضافة إلى أن النسخ الحديثة من هذه الأجهزة تتمتع بعمر افتراضي، أقل من مثيلاتها التي كانت تصنع قبل بضعة عقود، وهو ما يتطلب إحلالها على فترات أكثر تقارباً، مقارنة بنفس الأجهزة المصنعة قديماً. وفي الوقت الذي ينظر فيه كثيرون إلى تلك القمامة الإلكترونية على أنها مجرد نفايات، يرى البعض أنها منجم للمعادن الثمينة والنادرة. فضمن الـ42 مليون طن التي يتم التخلص منها سنوياً في شكل أجهزة منزلية، يوجد 16 ألف طن من الحديد، و1900 كيلوطن من النحاس، و300 طن من الذهب، وغيرها من المعادن. وحسب دراسة جامعة الأمم المتحدة، تقدر قيمة هذه المعادن بـ52 مليار دولار (190 مليار درهم)، وهو ما يجعلها أكثر قيمة من غالبية مناجم الذهب والألماس. وبما أن مصادر هذه المعادن الثمينة، مهما كان مخزون الكوكب منها، تعتبر مصادر محدودة، يجب أن يسعى الجنس البشري لاستعادتها، وإعادة استخدامها، كما أن تواجد هذه المعادن في مقالب النفايات، يشكل خطراً صحياً داهماً على المجتمعات البشرية التي تقطن بالقرب منها، وخصوصاً أن بعضها شديد السمية، مثل الرصاص والزئبق، وهو الخطر الذي لا يمكن أن يقدر ضرره وفاقده المحتمل بثمن.