كم هو صعب الكلام في هذه الأيام وثقيل، لكن اليمن يتعرض لظروف قاسية لا ذنب له فيها، كل ذنبه بعض المقامرين والمغامرين من أبنائه والمحسوبين عليه تجاوز طموحهم حدود المعقول. أهل اليمن هم أهلنا ولا يستطيع التدخل «الحوثي»، وهو تدخل أقلية، أن يتحكم في الأغلبية من شعب فخور بنفسه. كما أن اليمن غير البلدان التي دخلها النفوذ الإيراني في غفلة، هنا فارق في التوقيت وفارق في المكان. والقيام بعملية «عاصفة الحزم» في اليمن له معنيان: معنى إعادة الاحترام للشرعية القائمة على إرادة الناس الذين احتقرهم الإيرانيون، وسلكوا إزاءهم مسلكاً عنصرياً وطائفياً. ومعنى إعادة الاعتبار للعرب ومداهم الاستراتيجي، وبلدانهم ودولهم وجيوشهم. لقد عادت دائرة الاستقرار والقرار في الخليج لتقرر وتضرب وتحسم لمصلحة الشرعية، وصالح الإنقاذ اليمني، والإنقاذ العربي، وإذا نجت صنعاء وعدن فقد نجا العرب. ليس من العقل أن يُهدد الخليجُ من جنوبه من خلال خطط مسمومة تتضافر فيها الانتهازية السياسية التي يمثلها علي عبد الله صالح ومؤيدوه، مع انتهازية طائفية تحتمي بها الجماعة «الحوثية»، وهي خطة لو استمرت تأخذ اليمن إلى المجهول، وتعرض الخليج إلى التهديد، حيث يؤتى بولاية الفقيه إلى أبواب مكة، فليس بالإمكان التسامح بأن يأتي السلاح الإيراني ليحكم من خلال أقلية بالقوة السافرة، فيصبح الشعب العربي اليمني رهينة، كما هو الشعب اللبناني رهينة للسلاح والمال الإيراني، أو تتحكم طهران في مقدرات حكومة صنعاء كما تتحكم اليوم في مقدرات معظم حكومة بغداد. رسالة «عاصفة الحزم» واضحة لم نعد مستعدين لا للمساومة على حقوق الشعب اليمني ولا الرقص على الأنغام التوسعية الإيرانية، يكفينا ما لقينا من عنت في كل من العراق وسوريا ولبنان، لن تكون صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة في مسلسل السقوط، بل ستكون هي العاصمة الأولى المحررة في مسلسل الإنقاذ. قصر الرئاسة اليمنية ليس المكان المناسب لإطلاق فتاوى ولاية الفقيه، تحت أي شعار تدثر، أو صيحة تطلق عليهم، فهم من رفضوا الانسحاب من العاصمة وبقية المحافظات التي استولوا عليها بالقوة وتسليم ما لديهم من أسلحة للدولة اليمنية، والتحول إلى جماعة سياسية لا تعتمد العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، ومن ثم المضي مع بقية المكونات السياسية للشراكة في بناء الدولة. فهل نترك اليمن لهم؟! إذا أصر «الحوثي» على المواجهة والعناد، فقد لا يحصل على فرصة العودة حتى إلى الكهف، بل إلى القبر، ليكون لإيران ومن خلفه آية. أما الإحصائيات فتدين «الحوثي» ولا تبرئه، وهي تذكر أن 135 ألف شخص قتلهم «الحوثي»، و140 جامعا ومسجدا ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم دمرها «الحوثي»، و800 ألف مشرد ومهجر من بيوتهم وقراهم طردهم «الحوثي»، و«2000 حالة انتهاك لحرمات البيوت من دون أي أسباب»، وهكذا نجد كل مناطق اليمن مجروحة من «الحوثي»، نهب معسكرات اللواء 310 والفرقة العسكرية المركزية والقصر الجمهوري ومبنى الإذاعة، اختطافات طالت خيرة إخواننا الشباب الوطنيين السلميين هي سبعة أشهر سيطر فيها «الحوثيون» على اليمن قبل قرار «عاصفة الحزم» وعاش المواطن اليمني ظروفاً قاسية، حيث انتهكت فيها الحريات العامة والخاصة واختطف فيها المواطن اليمني وصودرت حقوق الإنسان، وعلا صوت الترهيب والوعيد، وخفت صوت الحكمة، وأصبح الحوار مجرد غطاء يحاول البعض أن يستر به فظاعته وجرائمه وانقلابه، ونهبت الأملاك العامة والخاصة، وساد الخوف والهلع، وتعرض المواطنون للقمع والتنكيل والسجون، وغاب الأمن وانتشرت المظاهر المسلحة، وزادت العمليات الانتحارية بل وصلت حتى إلى بيوت الله، ونكل بالصحافة والإعلام، وهجر قسرياً الآلاف ونزح مئات الآلاف. وسؤالي لابناء الشعوب العربية بعد أن ننظر إلى حال الشعب السوري وإلى شعب العراق وإلى شعب فلسطين وإلى الحصار اللبناني، هل هذا ما ننتظر أن يصل له الشعب اليمني الشقيق! إن ما حصل لهذه الشعوب العريقة من دمار وسفك الدماء وغياب الأمن والاستقرار واستغلال الموارد وإمكانيات البلاد هو المخطط له في اليمن من قبل «الحوثيين» وداعميهم، هل ننتظر إلى أن تصبح اليمن وسيلة لنيل مآرب إيران وحلفائها وأطماعها؟ الشعوب العربية ليست بحاجة إلى مزيد من الانكسارات أو إلى شروخ جديدة في وحدة الصف والتلاحم العربي، فلنقف ونتلاحم ونتكاتف مع جهود دول التحالف في عمليات «عاصفة الحزم»، التي لن تنجح إلا بإيمان الشعوب بها ودعمها لقياداتها. ولنتساءل ماذا يمكن أن يحمل المستقبل لهذه المنطقة وتلك الملايين من البشر يعانون الظلم والقهر وسوء الحال ويذكرون دماء أحبابهم المهدرة؟! فلندرك جميعاً أن الالتفاف حول قيادتنا كلا من موقعه هو الخطوة الأساسية والحقيقية لإنجاح الجهود المبذولة لحماية الشعوب العربية. ويجب أن نتذكر دائماً أن وحدة الموقف العربي هي الأساس الذي يحقق الكرامة والسيادة لهذه الأمة، وأن كل ما يهدد اليمن يهدد في الوقت نفسه الخليج خاصة والوطن العربي عامة. مهرة سعيد المهيري* *كاتبة إماراتية