رحّب قادة بعض الدول العربية بحذر بـ«إطار العمل» الذي توصلت إليه مجموعة «5+1» مع إيران. ولكن الصحافة العربية من جانبها لم تتردد في انتقاد الاتفاق وقد تباينت الانتقادات بين الغرابة أحياناً بالذهاب إلى أن «الولايات المتحدة تقود نظاماً أميركياً إيرانياً جديداً للهيمنة على شؤون المنطقة»، والغضب كالقول إنه «مع إنهاء العقوبات، ستحصل إيران على مزيد من الحرية والموارد تحت تصرفها لمواصلة أجندتها الإقليمية المثيرة للقلاقل في العراق وسوريا، والآن في اليمن». وعلى الرغم من أن هناك مخاوف تساورني بشأن كيفية تطور العملية التفاوضية، فإنني أؤيد هذا الاتفاق وأعتقد أنه من الممكن أن يتمخض عن نتيجة جيدة، حتى لو لم يكن ذلك إلا بسبب حقيقة أنه يظهر قوة وإمكانات استراتيجية «الارتباط». وإذا ما مضينا قدماً وأنصتنا نحن الأميركيين باهتمام إلى ما يقوله لنا شركاؤنا العرب، فمن الممكن أن يفتح الاتفاق الباب أمام مناقشات بناءة مع القادة العرب تعزز أفق السلام والاستقرار في ربوع المنطقة. وفي بيان أصدرته مؤسستي بالتعاون مع «المجلس الأميركي الإيراني الوطني» ومؤسسة «جيه ستريت» أشرنا إلى أن: «هذا الاتفاق قد يوفر خطوة مهمة نحو نزع فتيل التوترات الإقليمية، وتمهيد الطريق من أجل حلّ كثير من الصراعات، التي لا تزال متأججة». والدرس الذي ينبغي استنباطه من هذه المفاوضات الناجحة هو أن الدبلوماسية تجدي نفعاً في النهاية. ويوضح هذا الاتفاق أنه لا ينبغي أن يترك أي خلاف ليزداد تفاقماً بدرجة تجعل حلّه صعباً من خلال «دبلوماسية الأخذ والعطاء الجادة». ومخاوفي لا تكمن في الاتفاق ذاته، ولكن في كيفية التوصل إليه، والدروس التي آمل أن نتعلمها ونحن نخطو نحو المرحلة التالية. وبالطبع، لا تزال الأشهر القليلة المقبلة حبلى بجولات من المفاوضات السرية الصعبة، مقترنة مع التهيئة العامة. وطوال هذه الفترة، ستكون الفرصة سانحة أمام المنتقدين كي يقضوا على الاتفاق. وقد سمعنا بالفعل من الإسرائيليين، الذين حذروا، في معرض جهودهم المتواصلة لعرقلة الاتفاق، من معركة عالمية وشيكة، مع إصرارهم على أن يشمل الاتفاق النهائي عدداً من «الأقراص المسمومة» كمطالبة نتنياهو بأن يتضمن اعترافاً إيرانياً بإسرائيل كدولة يهودية. وهدّد الكونجرس بداية بأن يكون قاسياً مع الرئيس، ثمّ وافق أعضاؤه على تخفيف حدّة موقفهم في مشروع قانون تسوية تمنح إدارة أوباما مهلة كافية لتفادي عرقلة من الكونجرس. ومثلما أشرت، فقد أظهر بعض القادة العرب، حتى أولئك الذين لا يثقون بشدة في النوايا الإيرانية، هدوءاً في ردود أفعالهم تجاه الصفقة. وقد أخبرني أحد المسؤولين العرب أن الإمعان في التركيز على الماضي بلا جدوى، ما لم يكن ذلك من أجل استنباط الدروس من العملية التفاوضية، على نحو يمكن الولايات المتحدة من المضي قدماً بمزيد من الثقة والشراكة. ولطالما شعر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بالقلق من نوايا إيران النووية، وأياً وهو الأكثر أهمية قلقهم من طموحات طهران الإقليمية، وتدخلها السافر في شؤون المنطقة العربية. ويؤثر تبجح إيران بشأن تأثيرها الكبير في عدد من العواصم، مثل بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء بشدة على الوعي العربي الجمعي. ويرفض بعض المعلقين الغربيين بلا مبالاة هذا القلق، معتبرين أنه ليس أكثر من منافسة سنية شيعية قديمة. وفي الحقيقة فالمشكلة ليست «دينية»، وليست قديمة. وإنما هي صراع سياسي مجرد وواضح. ومثلما يراه العرب، منذ عام 1979 نشطت إيران كنظام ثوري وسعت إلى تصدير نموذجها الثيوقراطي للحكم وأيديولوجيتها المناوئة للغرب. وبناء على ذلك، أثارت إيران الاضطرابات، حتى أثناء موسم الحج في المملكة العربية السعودية في الثمانينيات، وسعت إلى الهيمنة من خلال شركاء يتبنون رؤية مسلحة. وفي رد على ذلك، بدأت دول الخليج ترتيبات مع الولايات المتحدة لتعزيز أمنها الوطني والجماعي. وفي الوقت ذاته، سعت كل دولة، بوتيرتها وأسلوبها الخاص، إلى تعزيز اقتصادها ومعالجة مشروعاتها التنموية المحلية، وتوفير سبل العيش الكريم لسكانها. وعندما يأتي قادة المنطقة إلى واشنطن الشهر المقبل، فلن تكون المسألة الأكثر أهمية التي تواجه الإدارة الأميركية هي الدفاع عن الاتفاق أو تسويقه في شكل جديد، وإنما إعادة بناء الثقة. وإذا كانت الولايات المتحدة تعتبر الدول العربية حلفاء، عليها أن تعاملها على أنها كذلك فعلاً، وتتبع الأقوال بالأفعال. ونقطة البداية هي أن توضح واشنطن فهمها للمخاطر التي تمثلها إيران في إثارة وإطالة أمد الصراع في العراق وسوريا واليمن. ويجب وضع خطة عمل في العراق، لا تمكن القوات الجوية الأميركية من تمهيد الطريق أمام المليشيات المدعومة إيرانياً من السيطرة على مقاليد الأمور، فلن يكون ذلك سوى مفاقمة للانقسام العميق والتحيز السياسي. وينبغي أن تنتقل المناقشات بعد ذلك إلى سوريا واليمن لمناقشة الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتحقيق الحلول التفاوضية في كلتا الدولتين.