المهم في الاتفاقات أن توافق عليها الأطراف المشاركة. ولكن في اتفاق إطار العمل بشأن البرنامج النووي الإيراني، على سبيل المثال، نجد أن الرئيس أوباما أعلن أنه قد حصل على موافقة بشأن أسس اتفاق نووي مع إيران. ولكن هذا لم يحدث. وكيف نعرف هذا؟ لأن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي وهو الشخص الوحيد صاحب القرار في هذا الأمر، وقد أعلن أنه لم يوافق على أهم نقاط الاتفاق كما ظهرت في وثيقة حقائق أصدرها البيت الأبيض. والخلاف بين خامنئي وأوباما يكشف عن جوهر جودة أو سوء الاتفاق. وصرح أوباما بأن العقوبات على إيران ستخفف مع مرور الوقت، وقد يعاد فرضها سريعاً. وهذا يوفر للولايات المتحدة وحلفائها قوة ضغط في حالة تحدي إيران لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو نكثها لوعودها كما فعلت في الاتفاقات السابقة المعنية بالتحكم في الأسلحة. وقد نشر البيت الأبيض وثيقة الحقائق يوم 2 أبريل مع الإعلان عن اتفاق الإطار. وجاء في الوثيقة أن «العقوبات النووية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ستعلق بعد أن تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران قد اتخذت كل الإجراءات الأساسية المتعلقة بالبرنامج النووي. وإذا فشلت إيران في الوفاء بالتزاماتها فإن هذه العقوبات سيعاد فرضها». ولكن خامنئي أعلن أنه لن يوافق إلا إذا رُفعت كل العقوبات أولاً عند توقيع إيران. وفي تصور خامنئي ألا ضغط حقيقياً للولايات المتحدة والغرب إلا بقصف منشآت إيران النووية. وقد صرح أوباما للصحفيين في قمة الأميركتين مطلع هذا الأسبوع قائلاً: «حتى الشخص الذي يحمل لقب الزعيم الأعلى يتعين عليه الاكتراث بناخبيه». للوهلة الأولى قد يبدو هذا سخيفاً. فمن ملامح النظام السياسي الإيراني أن المرشد الأعلى لا يخوض انتخابات. وليس هناك ما يثير قلقه بشأن أمور مثل الانتخابات التمهيدية القادمة للرئاسة، كما هو الحال في الولايات المتحدة. ولكن حتى زعماء النظم الشمولية يواجهون صعوبات في التعامل مع السياسة. وخامنئي لا يمتلك السلطة الكاملة. وما زال يتعين عليه التشاور مع المتشددين في مجلس خبراء القيادة الإيراني وأركان الحرس الثوري وأشخاص آخرين من دعائم الديكتاتورية الإيرانية. وهذا نوع مختلف من السياسة عما يتعين على أوباما أو الزعماء المنتخبين مواجهته، ولكنها سياسة في نهاية المطاف. وبالتالي فمن السذاجة أن يتجاهل أوباما تصريحات المرشد الأعلى. ولم يقتصر انتقاد خامنئي لرؤية البيت الأبيض للاتفاق فقط في كلمة عامة في يوم إيران القومي للتكنولوجيا النووية، بل حرص أيضاً فريقه بمواقع الاتصال الاجتماعي على نشر انتقاداته لوثيقة الحقائق الصادرة عن البيت الأبيض على النسخة الإنجليزية من حسابه على «تويتر». وجاء في إحدى هذه التغريدات «بعد ساعات من المحادثات قدم الأميركيون وثيقة حقائق معظمها يناقض ما تم الاتفاق عليه. إنهم دائماً يخادعون وينكثون الوعود». وقد سُجن معارضون إيرانيون بسبب ما نشروه من تغريدات على «تويتر» الخاضع للرقابة في إيران. فمن هم الناخبون الذين يحاول خامنئي استرضاءهم بهذه التغريدة؟ ولكن دعونا ننتقل إلى جون كيري وزير خارجية أوباما. ففي يوم الأحد الماضي التمس «كيري» الدعم من روسيا المشاركة في المفاوضات. وفي برنامج «هذا الأسبوع» في شبكة «أيه. بي. سي» ذكر «كيري» أن ما قاله هو، وأوباما عن اتفاق إطار العمل «قائم على حقائق» وأضاف «كيري» لاحقاً أن «الروس أصدروا بياناً قالوا فيه إن وثيقة الحقائق التي أصدرتها الولايات المتحدة تمثل معلومات دقيقة وموثوقاً بها». وذكرت متحدثة باسم وزارة الخارجية أن «كيري» كان يشير إلى مقابلة لوكالة «إنترفاكس» للأنباء مع «سيرجي ريابكوف» نائب وزير الخارجية الروسي. وجاء في المقابلة على لسان «ريابكوف»: «إن وثيقة الحقائق التي نشرتها واشنطن تحتوي معلومات صحيحة وموثوقاً بها عن التفاهمات التي تم التوصل إليها في لوزان». ولكن المسؤول الروسي أكد أن هناك عدداً من القضايا لم تحسم ومنها «مقدار وتسلسل توقيت رفع العقوبات المفروضة على إيران، بالإضافة إلى إمكانية إلغاء القرار الحالي بشأن إيران في مجلس الأمن الدولي». وإذا سلمنا بأن وثيقة الحقائق التي نشرها البيت الأبيض صحيحة في مجملها فما قيمتها وقد صرح وزير الخارجية الإيراني أيضاً بأن وثيقة الحقائق «ملتوية» في اليوم الذي صدرت فيه. فهذا ليس اتفاقاً حتى يوافق عليه المرشد الأعلى. ومن شأن الاتفاقات عادة أن يوافق عليها كل الأطراف، لا أن يشكك فيها طرف من أطرافها. إيلي ليك: محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»