أصر حزب «المؤتمر الوطني» على إجراء الانتخابات الرئاسية البرلمانية، أمام حملة مقاطعة شعبية في الداخل والخارج. ومواجهة دولية أعربت عنها في بيانات تصريحات وبيانات صدرت من الاتحاد الأوروبي والترويكا (بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج) عن استنكار وخيبة أمل وكانت الأخيرة التي صدرت عن وزارة الخارجية الكندية هذا الأسبوع. وكانت قيادة «المؤتمر الوطني» قد استنكرت البيانات التي صدرت عن هذه الهيئات الدولية بشأن الانتخابات، التي تمت مقاطعتها من أغلبية القوى السياسية والمدنية في تصريحات نُسبت إلى دكتور ابراهيم غندور نائب رئيس الحزب الحاكم ومساعد رئيس الجمهورية تساءل فيها إن كان في مقدور الاتحاد الأوروبي أن يطالب بمراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الولايات المتحدة أو الصين الشعبية، مؤكداً أن السودان لا يسمح المساس بسيادته والتدخل في شؤونه الداخلية! وليس مهماً الآن العودة إلى كم التصريحات والخطب المستفزة، التي صدرت من قادة «المؤتمر الوطني» خلال حملتهم الانتخابية (المكلفة جداً). فالأهم الآن هو السؤال: ماذا ستفعل سلطة «المؤتمر الوطني» بهذا البلد الذي لا يستحق كل هذا البلاء والدمار الذي، أورثته له خلال ربع قرن من الزمان؟ لقد ازدادت الخطوات السياسية للحكومة اضطراباً خلال فترة الانتخابات ومن قبلها بقليل. فهي بعزوفها عن السفر إلى أديس أبابا للاجتماع المحدد والمتفق عليه مع الوسيط الأفريقي، والذي كان يجمعها مع المعارضة قد أوقعت نفسها في مأزق وأغضبت الاتحاد الأفريقي الذي ظل يتحمل مناوراتها أيضاً، (راجع البيان الصادر عن رئاسة الاتحاد الأفريقي في هذا الشأن). وحسناً فعلت المعارضة الديموقراطية التي توجه وفدها إلى أديس أبابا، حسب الموعد المضروب برغم أنها كانت تعلم أن الحكومة (ممثلة بوفدها برئاسة د. غندور)، لن تحضر إلى أديس أبابا، لأنها أصلاً لم تصل بعد إلى قناعة سياسية، ولا تملك إرادة سياسية للرجوع عن طريقها الذي اختارته طوال سنوات حكمها البائس. إن سلطة جماعة «الإخوان المسلمين»، التي نظمت ونفذت انقلاب يونيو العسكري هي أقلية صغيرة وسط القوى السياسية السودانية، أقلية لا تؤمن بالديموقراطية طريقاً يختار بها الشعب حكامه. وهي تاريخياً كانت دائماً تسعى مستعجلة للوصول إلى حكم شمولي. وقد مارست هذه الجماعة الصغيرة وسائل الظلم ضد الشعب، الذي رفضها منذ يوم انقلابها الأول.. إن هذه الجماعة حكمت البلد ربع قرن من الزمان تعلم تماماً أن مشروع الحل السلمي الذي يوفره حوار قومي حقيقي وجاد سينتهي إلى قيام نظام ديموقراطي يلتف حوله الناس وهي تعلم أين سيكون مكانها في هذا النظام الديموقراطي، الذي ينبثق عن هذا الحوار القومي الجاد والحقيقي. لقد أجاد «الإخوان المسلمين» وبرعوا في المناورات والمؤامرات والفتن والدسائس، ولكن كل ذلك إلى نهاية محتومة. لقد أصبح «مشروعهم الحضاري» هدفه وغايته كرأس الحكم واستغلالها للثراء والغنى بأي وسيلة وطريق ليس مهماً إنْ كان هذا الطريق هو الفساد واستغلال النفوذ والعبث بمقدرات الوطن وثرواته.. فهل يمكن لجماعة كهذه أن تتغير وتتبدل وترضخ لمشيئة الشعب وتستجيب لنداء العقل؟ لقد حاول المجتمع الدولي أن يوفر «لهذه الجماعة الهبوط الناعم» مخرجاً سليماً يجنب السودان مزيداً من الدمار وضغط في هذا على المعارضة المسلحة والسلمية، وكانت آخر محاولات المجتمع الدولي في مؤتمر برلين هذه المحاولة الأخيرة، التي تصور أصحابها أنه قد وافقت عليها سلطة «المؤتمر الوطني».. ولكن. ثم ماذا بعد الانتخابات؟ هل يدرك هؤلاء الناس الذين يتحدثون كثيراً جداً عن الإسلام أن الرجوع إلى الحق فضيلة وأن «الإصرار» على الباطل هو الاستكبار؟