بعد أحداث ما يعرف بـ"الربيع"، التي شكلت منعطفاً حرجاً في تاريخ الأمة العربية، وما تبع تلك المرحلة التاريخية من تفسيرات وتبريرات، أسهم فيها أهل الفكر والنظر من زاوية، وأصحاب القرار السياسي من زاوية أخرى، وما شهدته أجهزة الإعلام التقليدية أو الذكية كما تسمى من جدال أو جدل، مناظرات أو مغامرات، خلص الناس في العالم العربي إلى العديد من الحقائق والتعميمات، لكن الأمر الذي أزعم أنه بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتحقيق، واقع العقل العربي الجمعي والفردي، وهل فعلاً عقولنا تم اختطافها، ومن المسؤول عن تحرير العقل العربي المختطف. العقل الإنساني قابل للاختطاف، لكن بخيط من حرير، بإرادتك، وليس برمح من حديد. العقل البشري هو الأمانة التي ميز الله تعالى بها هذا المخلوق كي ينجح في مهمته على كوكب الأرض بتحقيق الإنجازات وتجاوز التحديات والعقبات. ومنذ أن نزل آدم عليه السلام على كوكب الأرض، وإلى يومنا هذا مازال العقل الإنساني في نمو وتطور حسب المؤثرات التي يمر بها الإنسان. لو تخيلنا إنسانا يعيش اليوم في غابة معزولة عن التجمعات البشرية الكبيرة، فإن مستوى تفكيره سيتطور من التحديات التي يعيشها ذلك الإنسان، ولأنها قليلة فإن عقله سينمو بمثل ذلك التحدي، بينما الإنسان الذي يعيش في مدينة حضرية كبيرة يتأثر بالكثير من المتغيرات التي تسهم في تشكيل عقليته وطرق تفكيره وتحليله للأمور من حوله. الأسرة هي المطور الأول لبرمجة العقل البشري، وكانت المدرسة هي العامل الثاني قديماً حتى تراجعت إلى المركز الثالث من وجهة نظري لتحل محلها أجهزة التواصل الحديثة والإعلام المرئي في تشكيل برامج يسير عليها العقل البشري. بعد ذلك يتأثر الإنسان بالتجمعات التي يعيش فيها، فمن انتمى إلى تجمعات أدبية يفكر بأسلوب يختلف عن من احتضنته الجماعات الدينية بشتى أطيافها، كما أن التخصص الجامعي وبيئة العمل تمثل محضناً كبيراً في تشكيل العقل البشري، لأنه يقضي جل وقته فيها. لو استعرضنا ما سبق من محاضن للعقل البشري، لرأينا أن أخطرها هو أجهزة الإعلام والانتماءات المذهبية، أو الجماعات الدينية التي ينخرط فيها الإنسان طواعية، حيث يسلم عقله بإرادته لمن يقوم ببرمجته، ومن نجح في برمجة عقلك، فقد تمكن من السيطرة على مجريات حياتك، فتصبح عبداً لفكرة ما، وأنت تعتقد أنك متحرر منها. وفي هذه الحالة، فإنك تنظر لكل ما يجري من حولك عبر زاوية محددة، كما هو حصان السباق الذي تحجب عن عينه زوايا كثيرة كي لا ينظر إلا أمامه، وعندها لا تستغرب إن رأيت شاباً يفكر في الانتحار بتفجير نفسه في وطنه لأن عقله يسمي ذلك الأمر شهادة. ومهما حاولت إقناعه بعكس ذلك ستجد عقله لا ينصت لك لأنك تستخدم لغة لا يفهمها دماغه، فكيف تحرر العقول؟ سوْال لابد من العمل على الإجابة عنه إنْ أردنا كعرب الخروج من المستنقع الآسن الذي وقعنا فيه. وأولى الإجابات ترتبط بأهمية إعلاء شأن العقل في مجتمعاتنا العاطفية. فقديما اعتقدت بعض الحكومات العربية أن إغراق الناس في الملذات يفقدهم الرغبة في التفكير، وفي حقيقة الأمر قادهم ذلك إلى نمط من التفكير أوصلنا إلى ما نعيشه كعرب اليوم. الأمر الثاني المهم في إطار تحرير العقول تطوير مدارسنا كي تعزز ثقافة التفكير الناقد عند الأجيال القادمة من أبناء هذه الأمة. فمن دون مهارات التفكير المتعددة لن ننجح في تزويد الجيل القادم بأسلحة الدفاع المناسبة عن عقولهم، وسيصبحوا أسرى لمن ينجح في اختراق حاجز عقولهم، وبرمجتها لتحقيق أهداف نندم عليها عندما تتحرر عقولنا.