لماذا نجت الأنظمة الملكية ودول مجلس التعاون من ثورات واضطرابات «الربيع العربي»، يتساءل د. معتز سلامة من مركز الأهرام للدراسات، رغم أن الكثيرين، في ذروة المد الثوري عام 2011، توقعوا طوفاناً يجتاح مختلف الدول العربية، ولا يستثني الأنظمة الملكية، ورغم انتشار الدعوات إلى الثورة في أجزاء من هذه الدول، على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن لم تلبث أن تراجعت موجة الاضطرابات وجيوب التوتر في الدول الملكية سريعاً، وعادت شعوبها إلى معادلات الحكم السابقة دون تغير جذري، وعلى خلاف دول الجمهوريات، عادت الملكيات إلى استقرارها السابق، «فماذا حدث في هذه الدول، ولماذا لم يسقط أي نظام ملكي؟ وما الإجراءات التي اتبعتها الدول الملكية، وأدت إلى تجنبها للموجة الثورية؟»، (مجلة الديمقراطية، 57، يناير 2015). هناك عشرة أسباب أجهضت محاولات الثورة والاضطراب في هذه الدول وحمتها من محاولات التغير العنيف، في اعتقاد الباحث د. سلامة، هي: الرابطة التاريخية بين العروش الملكية والدولة، فهي ملكيات وأسر حاكمة ضاربة في التاريخ تعود بعضها إلى مئات السنين كالأسرة العلوية في الغرب، التي يعود تاريخها إلى عام 1666، وأسرة الصباح 1752، وحكم أسرة آل نهيان 1761 وآل بو سعيد 1744. والسبب الثاني، «تجديد مصادر الشرعية السياسية»، حيث تجري وراثة العرش في الأنظمة الملكية وفق قواعد محددة، ويستند الحكم إلى عصبيات تجعل للحكم قاعدة نفوذ تقليدية قبلية وعشائرية وثقافية ممتدة، تدعمها سلسلة من شبكات المصاهرة مع القبائل النافذة. ثالث الأسباب توالي النخبة الحاكمة ورجال الدولة، بعكس «الرئيس مبارك مثلاً الذي استند إلى شلة لازمته منذ مجيئه للحكم وحتى رحيله، والذي لم يكن يستجيب لتغيير القيادات إلا حينما تبرز مظاهر السخط والتوتر، والذي سعى إلى توريث ابنه». رابع الأسباب: ويضيف. د. سلامة أن دول الملكيات شهدت مؤخراً «أسرع معدلات التغيير الحكومي (الكويت والأردن نموذجان). ومن عوامل ثبات الأنظمة الملكية «التغلغل الاجتماعي لمؤسسة العرش»! بعكس عزلة حكام الجمهوريات واستعلاء بعضهم واتساع المساحة الفاصلة بين الحاكم والمحكوم، «حرصت الأنظمة الملكية على التغلغل الاجتماعي والشعبي». ويشير الباحث إلى «مجالس الحكام والدواوين»، كما «يمثل حكام الولايات من أبناء الأسرة قرون استشعار للحكم ولمدى الرضا الشعبي». ومن أسباب الاستقرار كذلك الاهتمام بالوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي، والحد من الفساد والفقر والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، إذ إن دول الملكيات «من أعلى الدول العربية من حيث معدلات التنمية البشرية مقارنة بالدول الجمهورية». كما حققت بعض هذه الدول الملكية قفزات في خطواتها التحديثية. وكمثال، «تأتي دولة الإمارات في المرتبة الأولى عربياً في مؤشرات الابتكار، والسعادة، وجودة الحياة، وممارسة الأعمال، والأولى عالمياً في التماسك الاجتماعي وفي جودة القرارات الحكومية، وفي غياب البيروقراطية، وفي حس إدارة الأموال العامة، وفي متانة الاقتصاد، وفي اجتذاب الكفاءات، وهي الأولى في مؤشر احترام المرأة». سادس الأسباب، في تحليل د. سلامة، هو «التجاوب السريع مع المطالب الشعبية». فقد تمترست الجمهوريات وتصدرت للاحتجاجات الثورية، ولجأت إلى أدوات القمع والأمن، فيما «تعاملت الأنظمة الملكية خلال فترة الثورة بسرعة إزاء المطالب الشعبية». ولم تكن الاستجابة مالية أو مادية بالضرورة، إذ كان النظام المغربي الأكثر تجاوباً!، حيث «أعلن الملك محمد السادس عن اعتزام إجراء تغييرات دستورية وجرى إقرار دستور جديد ضمن استفتاء شعبي، نص على تعيين زعيم أكبر حزب في البرلمان لتشكيل الحكومة، وكان تعيين رئيس الوزراء من قبل حقاً من حقوق الملك، وأفرزت الانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2012 فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامية، وتبعه قيام الملك بتعيين رئيسه رئيساً للوزراء، ومن ثم جرى امتصاص موجات الاحتجاج». سابعاً: من أسباب نجاة الدول الملكية سرعة الاستفادة من الدروس السياسية وعدم الاصطدام بتيار التغيير، حيث كانت الجمهوريات هي الأسبق بالثورة. من جانب آخر، «عملت النتائج السلبية التي أفرزتها الثورات في دول الجمهوريات من التجزئة أو تفكك الدولة أو الحروب الأهلية القبلية والطائفية والمناطقية كعوامل كابحة ورادعة لاستمرار أو انطلاق موجة الثورات في الملكيات.. ولذلك تراجعت معدلات الاحتجاجات بالدول الملكية في السنوات التالية». ثامناً: ومن أسباب الظاهرة، اختلاف المطالب في دول الملكيات. ففي دول الجمهوريات كانت مطالب التغيير جذرية وضد النظام وقمته. وقد دلت طبيعة مطالب الناس في الأنظمة الملكية «على وجود تقدير خاص للأسر الملكية في الوجدان الشعبي». وقد انحصرت المطالب الاقتصادية بتحسين أوضاع المعيشة، فيما تمحورت المطالب السياسية بـ «الحكومة الشعبية أو البرلمانية، أو بفصل ولاية العهد عن مجلس الوزراء أو بتقليص دور الأسرة الحاكمة أو ببرلمان منتخب أو بتوسيع صلاحيات البرلمان، أو بتوجيه النقد للأجهزة الأمنية». تاسعاً: من أبرز الأسباب كذلك تضامن الأنظمة وتساندها في وجه الأزمة «وسعي الملكيات في سياق ما يشبه قراراً جماعياً بالتساند والتحالف، معتبرة أن سقوط أي منها سيمثل خطراً عليها جميعاً». وبرز هذه التحالف في إرسال قوات «درع الجزيرة» إلى مملكة البحرين، وتخصيص دول مجلس التعاون 20 مليار دولار لدعم اقتصاد البحرين وسلطنة عُمان، وكذلك في طرح مقترح «الاتحاد الخليجي»، ومشروع «القيادة العسكرية الخليجية المشتركة» و«البحرية الخليجية» و«الإنتربول الخليجي»، كما أعلنت دول التعاون الخليجي عام 2011 عن اعتزام ضم مملكتي المغرب والأردن إلى المجلس. عاشر الأسباب التي يشير إليها د. سلامة، هو «تنويع الشراكات والتحالفات الدولية». فضمن سياق هذه الاتفاقات تحمي هذه الدول الملكية نفسها وأمنها، و«فضلاً عن ذلك، تتبنى دول المجلس سياسات خاصة في مشتريات السلاح تشكل عناصر إغراء للدول الكبرى على بناء شراكات خاصة معها، يجري تسليمها على مدى عقد أو عقدين».