بصرف النظر عن جميع الاعتبارات السياسية وضرورات عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، فإن هناك جانباً مأساوياً وإنسانياً للحرب في اليمن يتوجب على دول الخليج أخذه بعين بالاعتبار، وعلى وجه السرعة ويجب ألا يشغلها الاهتمام بالعمليات العسكرية عن الوجه الآخر للحرب، لأن اليمن بلد جار وشقيق في العروبة والدين، تربطنا به أواصر القربى والرحم، وليس بلداً عدواً، ومهما كانت ضرورات المواجهة العسكرية مع بعض الأطراف اليمنية، فلابد من النظر إلى الغالبية الساحقة من عامة الشعب اليمني الفقير بعين الرحمة والمساعدة والإغاثة، فهي مسؤولية إنسانية تقع على عاتق الجميع لرفع أي معاناة عنه بسبب الحرب. اليمن بلد من أفقر بلاد العالم وبنية الدولة في غاية الضعف والوهن بسبب المشاكل والإرهاب والحروب وانعدام مصادر الدخل القومي، وفي ظل هذا الوضع جاءتها ظروف الاضطراب والمواجهات العسكرية الأخيرة التي اقتربت من شكل الحرب الأهلية بسبب الانقلاب "الحوثي" في الداخل، ثم عمليات القصف الجوي لـ"عاصفة الحزم" والحصار البحري والجوي على البلاد منذ أكثر من عشرين يوماً، فاقترب الوضع من الكارثة الحقيقية في كل المجالات. "الحوثيون" قاموا بدمار هائل في البنية التحتية اليمنية المتهالكة أصلاً، وبسببهم تشرد الآلاف من اليمنيين، وبسببهم أيضاً سقط مدنيون وجرحى لا ذنب لهم، والمؤسف أنهم في العادة أول من يدفع ثمن الحروب، وتعطلت الدراسة في المدارس التي دُمر بعضها بعد أن قام الحوثيون بتخزين السلاح فيها، وقاربت المواد الغذائية على النفاد من الأسواق، وبات المواطن اليمني مهدداً في قوته اليومي وفي الحصول على مياه الشرب، خاصة في مدينة عدن، بعد تعرض محطات المياه ومحطات توليد الكهرباء للتدمير بسبب "الحوثيين" أيضاً، وهي مشكلة تعاني منها المحافظات الشمالية كذلك. أما خارج اليمن فقد انقطعت السبل بالآلاف من اليمنيين، الذين كانوا خارج البلاد للدراسة أو العلاج، في ظل توقف رحلات شركة الخطوط الجوية اليمنية، التي هربت بما تبقى من طائراتها إلى جيبوتي وإثيوبيا، وأصبح نحو خمسة آلاف من موظفي الشركة بلا عمل أو مصدر دخل. ولعل أكثر المجالات حرجاً هو الوضع الصحي في البلاد الذي أدركت منظمة الصليب الأحمر خطورته مبكراً فسعت لإدخال طائراتين من المساعدات الطبية، بعد الحصول على إذن من قوات التحالف، ولكنها كمية ضئيلة لا تكفي لاستهلاك يومين أو ثلاثة أيام، نظراً للعدد الكبير من الجرحى. وهذا الوضع الصحي المتدهور دفع وزارة الصحة اليمنية لإطلاق نداء استغاثة عاجل لدول العالم، محذرة من كارثة صحية ستحدث بسبب العجز الذي وصلت إليه المستشفيات والخدمات الصحية وخدمات التحصين والإسعاف في جميع محافظات الجمهورية اليمنية، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وانعدام الوقود وشح الأدوية والمستلزمات الطبية. وأوضحت الوزارة في بيان لها أن انقطاع الكهرباء وانعدام الوقود جعل الوزارة وفروعها في جميع المحافظات عاجزة عن تشغيل سلسلة التبريد لحفظ ونقل اللقاحات، وهي معرضة للتلف وبالتالي إيقاف كامل لتطعيم الأطفال، مما يهدد بكارثة صحية شاملة ستؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة، ومنها عودة شلل الأطفال الذي سبق وأن تم التخلص منه، وكذلك انتشار الحصبة. هذه أوضاع لا يمكن السكوت عنها بسبب أي اعتبارات، ولذلك فإن المجتمع الدولي، وفي مقدمته دول الخليج، يجب أن تهب لمساعدة هذا البلد المنكوب، وإيصال جميع أنواع إمدادات الإغاثة والمساعدات الطبية والغذائية والإنسانية إليه على وجه السرعة، لأن البلاد تعاني قبل الحرب من أوضاع مأساوية فما بالك بعد الحرب! ولابد من السعي والتعاون مع الأمم المتحدة لترتيب موضوع الحصار البحري الذي يجب أن يكون موجها في الأساس لمنع دخول السلاح، مع أن اليمن ليس بحاجة لمزيد من السلاح، لذلك يتوجب عدم منع السفن التجارية من الوصول إلى موانئ اليمن بعد تفتيشها من قبل هيئة دولية، ويجب ألا يدفع الشعب اليمني ثمن أخطاء بعض قياداته وسياسييه، وعلى رأسهم علي عبدالله صالح. لقد أهمل قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الأوضاع الإنسانية الكارثية في اليمن، وقد يكون ذلك لغاية في نفس يعقوب، وهذا ما يفرض على دول الخليج التحرك على وجه السرعة لأخذ زمام المبادرة والبحث عن آليات مناسبة مع الأمم المتحدة لإيصال إمدادات الإغاثة العاجلة للشعب اليمني.