في وقت تفاقمت فيه الأزمة اليمنية المستعصية، زادت الضغوط على الحكومة الهندية لإجلاء الألوف من رعاياها الذين وجدوا أنفسهم عالقين في خضم المعركة. ويعمل الهنود في اليمن بشكل أساسي في حقل الخدمات الطبية. وهناك ألوف الممرضات اللائي يعشن مع عائلاتهن منذ عدة عقود. ولهذا السبب، كان التحدي الكبير يكمن في إجلاء ما يزيد عن ستة آلاف هندي من صنعاء وتعز وعدن وبقية أنحاء اليمن عندما عمد المتمردون الحوثيون إلى الهجوم على هذه المدن. إلا أن الحكومة الهندية لم تنجح في إنقاذ مواطنيها فحسب، بل تمكنت أيضاً من إجلاء ما يقارب ألف عامل ينتمون إلى بلدان أخرى بمن فيهم البريطانيون والأميركيون قبل أن تعمد إلى إغلاق سفارتها في اليمن. وكانت العملية بالغة التعقيد لأن الفرقة المكلفة بإجلاء الضحايا كان يقودها وزير وزارة الدولة للشؤون الخارجية «في كيه كينج»، وكانت قد أنشأت قاعدة لها في جيبوتي، وما لبثت أن حرّكت القطع البحرية الهندية والطائرات باتجاه اليمن بالرغم من القتال الضاري والضربات الجوية التي تقوم بها قوات التحالف ضد مواقع المتمردين «الحوثيين» الذين امتلكوا بدورهم أسلحة ثقيلة. واشتملت خطة الحكومة الهندية على كل ما يخطر على بال، من الأعمال العسكرية ونقل الأشخاص بالسفن من عدن إلى جيبوتي، ونقلهم من هناك عبر رحلات طيران منظمة إلى مختلف أنحاء الهند. وحتى الولايات المتحدة طلبت من مواطنيها الصعود إلى القطع البحرية الهندية التي كانت تتولى إجلاء رعاياها. وكان هذا مؤشر على مدى الدقة وحسن التخطيط الذي تميزت به عمليات الإجلاء. وفي حقيقة الأمر كانت الهند قد تلقت طلبات مساعدة من 26 دولة بما فيها بنجلاديش وجزر المالديف وميانمار ونيبال وسريلانكا لإجلاء رعاياها. ولم يكن من المقدّر لعملية الإجلاء المعقدة هذه أن تنجح لو لم تتوفر أعلى درجات التنسيق بين القيادات العسكرية المختلفة والحكومة المركزية في الهند والتعاون الفعال مع المملكة العربية السعودية وبقية شركائها من دول التحالف الخليجية. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قد أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قبل تنفيذ عملية الإجلاء الهنود. وتأكيداً على عمق العلاقات بين البلدين، طمأن الملك سلمان رئيس الوزراء الهندي بأن كل شيء سوف يتم لحماية الهنود في اليمن، وأنه سوف يقدم كل المساعدات الضرورية لإجلائهم بأمان. ومن جانبه، أعرب رئيس الوزراء الهندي عن تمنياته بتعزيز العلاقات التي تربط الهند بالمملكة العربية السعودية، وعبر للملك عن أخلص تمنياته «بأن تتمكن المملكة من مجابهة التحديات الأمنية في المنطقة وإحلال السلام والاستقرار فيها تحت قيادته الحكيمة». وكان ذلك مؤشراً واضحاً على أن الهند لن تقف في وجه العمليات التي يتولاها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات. وتتفهم الهند جيداً حالة الفوضى التي يعيشها اليمن بما فيها المخاوف من التوسع العسكري الإيراني على حساب المنطقة. وأمام هذه التصرفات الشاذة لم يبقَ أمام المملكة وبقية شركائها في التحالف من خيار آخر غير اللجوء إلى العمل العسكري في اليمن. والهند، التي تعمل قواتها البحرية على مواجهة قراصنة البحر الذين يأتون من شواطئ الصومال، لا ترغب في رؤية بلد آخر تسوده الفوضى السياسية، وهو يسقط في أيدي العصابات المتمردة والميليشيات المسلحة في موازاة الشاطئ الآخر من خليج عدن. ودائماً ما تكون للمحادثات بين الأصدقاء أثناء الأزمات أهميتها القصوى. فلقد أثبتت العلاقات السعودية- الهندية أنها تسير في الطريق الصحيح، وأنها مبنية على العمل من أجل إحلال السلام والاستقرار في المنطقة وتحقيق التقدم الاقتصادي. وتبدي الهند أقصى اهتمام ممكن بأمن الخليج العربي. وبغض النظر عن ملايين الهنود الذين يعيشون ويعملون في دول الخليج العربي، فإن 90 بالمئة من واردات الهند من مصادر الطاقة تعتمد على استقرار دول التعاون الخليجية. ويضاف إلى ذلك أنه لا يوجد هندي واحد يتمنى أن يرى أي أذى يحل بالمملكة العربية السعودية لأن العلاقات الهندية مع المملكة تأسست على القيم الروحية والدينية أيضاً. وتتفهم الحكومة الهندية تماماً أهمية علاقاتها مع دول الخليج بشكل عام ومع المملكة العربية السعودية بشكل خاص، وهي لا تفتأ تعبر عن قوة هذه العلاقات التي أثمرت بقوة أثناء تنفيذ عملية إجلاء الرعايا الهنود من اليمن. رئيس المركز الإسلامي- نيودلهي