أتاح اجتماع الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي انعقد في واشنطن خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، فرصة سانحة أمام محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية والاقتصاديين وأرباب الصناعة المصرفية العالمية، للتدبّر مليّاً في القضايا المطروحة والعمل على أساس من التعاون. ولسوء الحظ، وبعيداً عن المحادثات ثنائية الأطراف التي دارت بين المشاركين على هامش الاجتماع، بما فيها تلك التي عقدت بين اليونان وصندوق النقد الدولي، فقد خلا من المشاركين الفاعلين الذين يمكنهم أن يعملوا على الدفع بمبادرات عملية منظمة على المستويات الوطنية والإقليمية ومتعددة الأطراف بما يصبّ في مصلحة الاقتصاد العالمي. وقد وضع صندوق النقد الدولي تصوراً للسياق الذي يصدر هذه الاجتماعات في نشرات مطبوعة، خاصة منها تلك التي تتضمن نسخة محدثة حول وضع الاقتصاد والتقرير المتعلق بالاستقرار المالي العالمي. وتقدم هاتان الوثيقتان اللتان صيغتا بطريقة جيدة، صورة عامة عن التعافي النسبي للاقتصاد العالمي الذي لا يزال يتميز بشيء من الهشاشة والضعف الواضح في بنيته الهيكلية. وهناك الكثير من الأسباب التي تدفع للاعتقاد بأن هذه التوقعات تمثل الصيغة المتواضعة للنقاشات التي دارت خلف الأبواب المغلقة بين الفرقاء وأعضاء المجموعات التنفيذية الذين يمثلون 188 دولة عضواً في الصندوق. وهناك بندان وردا في التقرير ينطويان على أهمية خاصة، ويعتبران دليلاً فعالاً يصلح للاهتداء به بالنسبة لمعظم الدول المشاركة في اجتماع واشنطن. ويشير أولهما إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يكون الاقتصاد العالمي أقل انفتاحاً وديناميكية مما سبق توقعه في تقارير سابقة، خاصة لأنه يتحدث عن نمو عالمي متواضع لعام 2015 يبلغ 3,5 بالمئة سيكون مصحوباً بزيادة متوقعة في فعالية أداء معظم الكتل الاقتصادية الأساسية للعالم المتطور. ويشار على نحو خاص إلى أن توقعات النمو في الولايات المتحدة بلغت 3,1 في المئة، أي بهبوط يقدر بنحو 0,5 نقطة مئوية، فيما ارتفع معدل النمو المتوقع في منطقة «اليورو» بشكل طفيف إلى 1,5 في المئة بعد أن كان 1,2 في المئة. أما البند الثاني، فيشير إلى أن التقرير المتعلق بالاستقرار المالي يطرح توقعاً محدثاً لتزايد هوامش المخاطرة المالية التي يصفها بأنها ما زالت تفتقر إلى التنظيم والفهم الدقيق، خاصة ما يتعلق منها بصناعة الخدمات المالية مثل صناديق التحوّط وإدارة الأصول، فضلاً عن المواقع الجديدة التي أصبحت تحتلها صناعة بنوك الظل. ويشير كلا البندين المذكورين إلى اقتصاد عالمي مفعم بالمخاطر حتى من دون الأخذ بعين الاعتبار حالة الاقتصادين اليوناني والروسي. وعلى الرغم من أن الأخبار الجيدة تفيد بأن أوروبا ستنال حظها من الانتعاش، إلا أن الاقتصاد الأميركي سيكون ضعيفاً إلى حد ما. ويبدو أن الاقتصاد الصيني سيبقى مستقراً عند معدل نمو أخفض، وستواصل الصين اهتمامها بدخول حلبة صناديق التمويل العالمية. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستحتفظ بموقعها كخزان القوة للنمو العالمي. ولحسن الحظ، فقد فعل صندوق النقد الدولي ما هو أكثر من مجرد إبداء الملاحظات المتعلقة بالتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي. وعمد أيضاً إلى تقييم النتائج المتوقعة للسياسات المالية المتبعة على المستوى الدولي. وتضمن التقييم كذلك الإشارة إلى الحاجة لتحقيق نمو لا يتم بالضرورة على حساب الآخرين، بالإضافة إلى أهمية تحقيق توازن أفضل في الطلب العالمي، وتحديث التنظيمات المالية والمؤسسات الهيكلية للإشراف على التنفيذ. ومن الأخبار الطيبة بالنسبة لمسؤولي الدول الذين شاركوا في اجتماع واشنطن الأسبوع الماضي، أن الكثير من بنود العمل المبرمجة فيه تم إنجازها بالفعل. وأما الأخبار السيئة، فيمكن تلخيصها في أن كل ما تم تحقيقه لن يكون كافياً للتأكد من أن إنجاز حالة من السياسة المنسقة بين الأطراف الفاعلة قد تم تحقيقها، وهي التي يحتاج إليها الاقتصاد العالمي بصفة ماسة. وتكمن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي الآن في الافتقار إلى القدرة على القيام بالعمل الكافي بسبب السياسات المحلية المشوشة التي تحول دون اعتماد سياسات مناسبة على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي. وكان علينا ألا نتوقع من اجتماع واشنطن أن يخرج بسياسة فاعلة، بل أنْ نتوقع بدلاً من ذلك الانخراط في المزيد من النقاشات وإبداء النوايا والمشاعر والاهتمامات التي تشغل بال الدول المشاركة. ويمكن أن تستمر الأحوال على هذا النحو حتى يفاجأ العالم بموجة عاتية جديدة من الهزّات والاضطرابات الاقتصادية والمالية. --------- رئيس مجلس التنمية العالمية - واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»