تثير إمكانية إبرام اتفاق يُقيّد القدرات النووية الإيرانية وينهي العقوبات التجارية الدولية ضد طهران سؤالاً مهماً هو: هل سيحقق في النهاية عائد سلام؟ ربما يُبصّرنا تفحص بعض مجريات التاريخ بما لا ندري، واستناداً إلى ما شهدناه في الماضي، من الممكن أن يتمخض الاتفاق عن مردود اقتصادي إيجابي، ولكن هناك أيضاً كثيراً من المتغيرات التي قد تحدد النتيجة، وليس أقلها ما سيفعله هذا الكونجرس المعرقل. ولمن لا يعرف، «عائد السلام» فهو مصطلح استخدمه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب في بداية تسعينيات القرن الماضي. ويشير إلى الفائدة الاقتصادية الناجمة عن خفض الإنفاق الدفاعي الأميركي عقب انهيار الاتحاد السوفييتي. وبمجرد توقف الحرب الباردة وانتهاء سباق التسلح، تم وضع تلك الأموال في استخدامات أكثر إنتاجية من بناء ترسانة نووية تمنى الجميع ألا تُستخدم أبداً. وبحساب القيمة، يحقق الإنفاق غير العسكري منافع اقتصادية أكثر من الإنفاق العسكري. وعلى رغم أن مصطلح «الكينيزية المسلحة» كثيراً ما يُستخدم لوصف الآثار التحفيزية للإنفاق العسكري، إلا أنها تكون أكثر تواضعاً بكثير من آثار الإنفاق المدني، بطبيعة الحال. ووزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون» يعتريها الإرهاق بسبب نظام المناقصات غير التنافسي، وهو نظام مكلف جداً وغير فعّال، ويبدو ذلك بشكل خاص عند مقارنته مع الإنفاق الحكومي على الأبحاث المدنية. وقد سقط سور برلين في عام 1989، بعد سنوات قليلة على بلوغ الإنفاق العسكري ذروته. وكان الاتحاد السوفييتي يقترب بالفعل من نهايته، فانهار في عام 1991، وبمجرد انتهاء الحرب الباردة، انخفض الإنفاق العسكري طوال العقد التالي. وفي هذه الأثناء، قفز الإنفاق الحكومي غير العسكري. وأفضى تقليص الإنتاج إلى جانب زيادة الإيرادات الضريبية أثناء «فقاعة دوت كوم»، إلى آخر الموازنات الفيدرالية المتوازنة التي شهدتها الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد. بيد أن الإنفاق العسكري بدأ يرتفع مرة أخرى بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وتسارع الإنفاق على الدفاع والأمن والاستخبارات بعد ذلك، متجاوزاً مستويات الحرب الباردة على أساس معدلات التضخم. ومؤخراً، شاهدنا تراجعاً في الإنفاق العسكري تزامن مع بداية الانسحاب من حربي أفغانستان والعراق، بداية من عام 2010. ويمكن نسبة قدر كبير من تراجع عجز الموازنات الفيدرالية خلال السنوات القليلة الماضية إلى تراجع الإنفاق العسكري، إلى جانب زيادة الإيرادات الضريبية في خضم فترة تعافٍ اقتصادي ممتدة منذ الأزمة المالية العالمية. ولطالما كان التدخل الأميركي في الشرق الأوسط مكلفاً بشكل كبير على صعيد الدماء والأموال. وتشير التقديرات إلى أن تكلفة حرب العراق تجاوزت ثلاثة تريليونات دولار، من دون حساب تكلفة رعاية المحاربين العسكريين العائدين. ومن المتوقع أن يكون لاستمرار التراجع الكبير في الإنفاق العسكري تأثير إيجابي على عجز الموازنات الفيدرالية. ولكن القضية الأكبر هي دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إذا انحسرت التوترات مع إيران. وأذكر أنه على مدار سنوات، ظل الشرق الأوسط ميداناً بالوكالة للصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وكثير من العداءات في الوقت الراهن خرج من رحم تلك المواجهات السابقة. ولكن يبدو أن مستقبل الدور الأميركي في الشرق الأوسط ما زال غير واضح المعالم، بعد أن أضحت واشنطن أقل اعتماداً على نفط المنطقة. ولا يتعلق الأمر فقط بما إذا كان وقف العداءات وإنهاء العقوبات ضد إيران من شأنه إيجاد «عائد سلام»، وإنما عما إذا كان التأثير في المنطقة سيظل كبيراً بقدر تكلفته. ولو أن المبالغ الضخمة التي تنفقها أميركا في المنطقة تم استخدامها محلياً -في مشاريع بنية تحتية على سبيل المثال، فإن الآثار الناتجة عن ذلك على الاقتصاد وجودة الحياة ستكون كبيرة. وسيكون رد الكونجرس في كل ذلك عاملاً أساسياً، بطبيعة الحال. باري ريثولتز محلل سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»