لو أعلنت هيلاري كلينتون عن ترشحها للانتخابات الرئاسية في روسيا، بدلًا من الولايات المتحدة، لكانت في ورطة كبيرة الآن بسبب الفيديو الذي أطلقته بهذه المناسبة. فبالنسبة لمواطن أميركي، قد يبدو الفيديو محاولة انتخابية تهدف إلى التواصل مع الكتل الرئيسة للناخبين، أو كوعد قوي بحماية مصالح الطبقة المتوسطة وصونها. غير أن الجهات المكلفة بالإشراف على الانتخابات الروسية كانت ستستنكر الفيديو منذ اللحظات الأولى. فهذا «ليونيد فولكوف»، الذي أدار الحملة الانتخابية لناشط المعارضة «أليكسي نافالني» في السباق على منصب عمدة موسكو في 2013 يقول: «إنه وفق القانون الروسي الخاص بالانتخابات، فإن هيلاري كانت ستقصى بدون شك». ذلك أن صور ثلاثة أطفال، خلال الثواني الثلاث الأولى من الفيديو، تمثل كلها خرقاً للقانون الفيدرالي الروسي حول الضمانات الأساسية للانتخابات، الذي ينص على أنه «من الممنوع أن يشارك في حملات الاستفتاءات أو الانتخابات أشخاصٌ لم يبلغوا بعد سن 18 عاماً يوم التصويت، واستعمال صورهم وكلامهم في مواد الحملة الانتخابية». ثم هناك صورة رجلين يمسك أحدهما بيد الآخر، مع تعليق صوتي يشير إلى مخططات للزواج، وهو ما شكّل عنواناً لخبر ترشح كلينتون في الصحيفة الرسمية الروسية «روسيسكايا جازيتا»: «مثليان صوِّرا في فيديو هيلاري كلينتون». ففي روسيا، كانت هذه الصورة ستمثل انتهاكاً واضحاً لقانون الجنح الذي ينص على غرامات تصل إلى مليون روبل (19 ألف دولار) بسبب «الترويج لعلاقات جنسية غير تقليدية بين القاصرين عبر نشر معلومات تهدف إلى وضع معايير جنسية غير تقليدية». وبعبارة أخرى، إن الجهات المكلفة بمراقبة الحملة الانتخابية في روسيا كانت ستحاجج -في تقيد صارم بعدد من القوانين الروسية- بضرورة حماية الأطفال من حملة كلينتون. وكان الفيديو سيُحظر والوصول إليه سيُمنع من قبل هيئة الرقابة الروسية للإنترنت. وربما كان «فولكوف» على حق أيضاً حين قال إن كلينتون كانت ستقصى تماماً بسبب اعتزامها جمع 2,5 مليار دولار من التبرعات، وهو ما كان سيكفي ليجعل منها تهديداً انتخابياً ممكناً للرئيس فلاديمير بوتين لو كانت ستترشح في روسيا وليس في أميركا. وبالفعل، فعدد من القوانين التي تم تبنيها في روسيا خلال السنين الأخيرة يهدف بشكل خاص إلى احتواء خصوم بوتين ومنعهم من الترويج لأجندة ليبرالية على غرار ما تفعله كلينتون في الفيديو. غير أن ثمة جانباً آخر أيضاً للقصة. ذلك أنه إذا فازت كلينتون، سيتعين عليها أن تتعامل مع بوتين، وهو أمر فشلت فيه من قبل. ففي 2009، عندما كانت وزيرة للخارجية، قدمت كلينتون لنظيرها الروسي سيرجي لافروف زراً أحمر كبيراً كتب عليه «ضبط العلاقات» بالإنجليزية والروسية. غير أن الترجمة الروسية كانت خاطئة، إذ بدلًا من كلمة «بيريزاجروزكا» الصحيحة، كانت الكلمة المكتوبة على الزر هي «بيريجروزا» التي تعني «إثقال» أو «إفراط في التحميل»، فضحك «لافروف» و«كلينتون» على ذلك حينها، إلا أنه سرعان ما تبين لاحقاً أن الخطأ كان نوعاً من النبوءة الصادقة لأن العلاقات سرعان ما تدهورت، وفي العام الماضي، شبّهت كلينتون بوتين بهتلر. والحق أن المسؤولية تتحمّلها كلينتون جزئياً كون الفيديوهات على شاكلة الفيديو الذي أطلقته حملتها باتت أمراً لا يمكن تصوّره في الحياة السياسية الروسية اليوم. إذ في عهدها كوزيرة للخارجية، تخلى بوتين نهائياً عن فكرة بناء نوع من التحالفات مع الغرب: حيث ألقى اللوم على وزارتها وحمّلها مسؤولية تحريض احتجاجات الطبقة المتوسطة التي عرفتها موسكو في 2011-2012. وبعد تلك المظاهرات التي لم تثمر شيئاً عمد البرلمان الروسي إلى تمرير عشرات القوانين المقيدة، من قبيل تلك التي أشرتُ إليها أعلاه. وربما لم يكن ثمة ما يمكن لكلينتون أن تفعله لمنع بوتين من أن يصبح مصاباً بالشك والارتياب إزاء التدخل الغربي، ولكنها أسهمت، على كل حال، في فشل الولايات المتحدة في القيادة عبر إعطاء المثل والقدوة، وهي من خلال ترشحها، تواصل فعل ذلك أيضاً إلى اليوم لأن هيلاري تجسّد، إلى جانب منافسها الجمهوري المحتمل في السباق إلى البيت الأبيض جِب بوش، الصعودَ المقلق للعائلات السياسية في الولايات المتحدة. ومن وجهة النظر الروسية، فإن هذا الصعود ليس أفضل من تبادل المناصب مع الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف (الذي بات مرة أخرى، يشغل الآن، منصب رئيس الوزراء). بيد أنه على رغم الدور السلبي الذي تلعبه العائلات والمال في الانتخابات الرئاسية الأميركية، إلا أن أي إشارة تفيد بالتعادل السياسي مع روسيا هي مجانبة أيضاً للصواب، لأن المرشحين الأميركيين أحرار حقاً ليقولوا للناخبين ما يريدون، والحزب الذي في المعارضة يتمتع كذلك بالحماية ولا يتعرض للتضييق باستعمال القانون. ليونيد بيرشيدسكي كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»