سقطت بعض وسائل الإعلام العربية في «وَحْل» تفسير «عاصفة الحزم» التي اضطُرت لها دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، لإعادة الشرعية إلى اليمن، بعد أن تم اختطاف البلاد والحكومة من قِبل جماعة الحوثيين، الذين حوّلوا البلاد إلى غابة للسرقة والقتل وتعطيل مؤسسات الدولة، بل وملاحقة الرئيس الشرعي، ما حدا به للاستنجاد بدول مجلس التعاون، ومن ثم اللجوء إلى المملكة العربية السعودية مؤقتاً. وعدد الحوثيين وأنصارهم -الذين يتحالفون مع إيران- لا يتجاوز 20% من سكان اليمن البالغ عددهم 26,5 مليون نسمة مع نهاية 2014 وهم يتضاعفون كل 23 عاماً وتبلغ نسبة الشباب منهم نحو 34%، فهذا يطرح تحديات خطيرة حول ازدياد نسبة البطالة، ومحدودية فرص التعليم، وانتشار الأمية التي وصلت إلى 78%. كما أن معدَّل التحاق الأطفال بالمدارس بلغ 48% فقط! أي ما يعادل نحو نصف عدد أطفال اليمن! وإذا ما استمرت الفوضى وإغلاق المدارس واحتلالها وحرقها من قبل عصابات الحوثيين وأنصارهم، فإن كارثة اجتماعية وإنسانية ستحلُّ بهذا البلد، وملايين الشباب والأطفال (أكثر من ثلث سكان اليمن) سوف يكونون «زيتاً» للنيران التي تستعر في هذا البلد، ناهيك عن اشتراكهم في عمليات التهريب والجريمة والانحراف الأخلاقي والفكري. وكل ذلك سيؤثر سلباً على دول مجلس التعاون، خصوصاً المملكة العربية السعودية التي تحاذي اليمن في أطول حدود لها مع جيرانها، ويؤثر أيضاً داخل اليمن، كون هؤلاء الشباب سيكونون صيداً سهلاً لتجار الحروب وعصابات التخريب، والأفكار المجلوبة من الخارج، ما يؤدي إلى تشويه هوياتهم العربية وأفكارهم القومية. وقد حاولت بعض وسائل الإعلام العربية أن تصطاد في الماء العَكر، بتصوير عملية إعادة الشرعية إلى اليمن على أنها «اعتداء» على بلد عربي! وهو في واقع الأمر «دفع ضرر بيّن»، لأن قيام دولة حوثية تابعة لإيران في اليمن يخلط الأوراق، ويقوض الأمن في كل منطقة الشرق الأوسط. وللأسف، شاهدنا قناة لبنانية صمَّمت برنامجاً لانتقاد «عاصفة الحزم»، وقام أحد ضيوفها -من الذين يؤيدون «حزب الله» اللبناني- بتوجيه كلمات غير لائقة إعلامياً ولا أخلاقياً ضد زميل لنا سعودي، ولكن هذا ترفّع كثيراً، وحافظ على رباطة جأشه طيلة الحلقة، وتقبَّل كلَّ الكلمات غير اللائقة التي تفوَّه بها الضيف من بيروت، وكان استفزازياً وهجومياً بلا منطق، وافتقد كل أخلاقيات الحوار. وكان لابد أن يتدخل مسؤول الإعلام الأول في ذاك البلد ويوقف الحلقة. ولا يمكن اعتبار ذلك تدخلاً في حرية الرأي، لأن حرية التعبير لا تعني الإساءة لشعب كامل. نعم نقول إن ما صدر عن تلك الحلقة ومن أحد ضيوفها كان حقداً واتهاماً واجتراءً على حتميات التاريخ، بل وعلى المواقف النبيلة التي وقفتها دول مجلس التعاون مع لبنان. إن للحوار الإذاعي والتلفزيوني آداباً معروفة، والمهنية تقتضي عدم الحط من كرامة الضيف أو أهله، ومهما طغت «رومانسية» عبادة الشخصية لدى المذيع أو الضيف -بقصد الإثارة- فلا يحق له أن يدع ضيفاً يتجاوز لباقة الحوار وكرامة الآخرين، ويقذفهم بكلمات جارحة. وقد عرفنا من قبل أن لبنان قد نأى بنفسه عن الأحداث في سوريا، خلال القمة العربية ومؤتمرات وزراء الخارجية، وسوريا على بُعد عدة أمتار من حدوده، فكيف يحق لتلك الوسائل التدخل في شأن خليجي مع اليمن وهو يبعد آلاف الكيلومترات؟ بطبيعة الحال ظهرت فضائيات لبنانية عاقلة، أيدت الإجراءات التي اتخذتها دول التحالف لمنع تمدُّد الحوثيين في المنطقة، ووقفت تلك الفضائيات موقفاً مشرفاً، وقامت بالرد على مثيلاتها من «الخارجات» على الذوق والمواقف المشرفة للشعب اللبناني الشقيق. وإذا كانت هذه مشاعر بعض العرب، الذين يؤيدون التمدّد الإيراني في المنطقة، فإلى أين نحن سائرون؟! وهل هذا مُبَرر، وخصوصاً أن لبنان عُرف بالتسامح المذهبي والطائفي، ولا توجد لدى أهله عقدة الاختلاف. لقد كانت «عاصفة الحزم» رداً وقائياً ضد التمدد الحوثي والإيراني في المنطقة، كما أن معاهدة الدفاع العربي المشترك تدعم هذا التحرك، بل والمادة رقم 51 من ميثاق الأمم المتحدة تدعمه أيضاً. وقد أيدت القمة العربية -في شرم الشيخ- أيضاً التحرك السعودي وحق دول مجلس التعاون في الدفاع عن أراضيها، والذي يتحدث عن لا شرعية دفاع دولنا عن نفسها، يعيش في (رومانسية) الارتخاء الفكري، وقد يكون نفسه من الداخل تؤيد خلط الأوراق والفوضى في المنطقة. إننا نتعجب من بعض العرب الذين يحسدون شعوب الخليج على النعماء والأمان والعلاقة المتبادلة بين الشعب والحاكم، ويريدون تصدير مختلف صنوف الفوضى والعنف كما فعلوا مع زعمائهم المخلصين! نقول لهم: نحن لا نريد ثقافة الموت، ولا عنتريات قتل الأشجار، دعونا نبني بلداننا كيفما نشاء، دون تدخل، ومارسوا أنتم «هواياتكم» كما تشاؤون، ولكن لا تلجأوا إلينا بعد ذلك!