في أولى رحلاته إلى ألمانيا هذا الأسبوع، من المقرر أن يشارك رئيس وزراء الهند «ناريندرا مودي» المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» في افتتاح معرض «هانوفر ميسي»، أكبر معرض صناعي في العالم. ولا شك أن «مودي» حريص على عرض حملته «اصنع في الهند» في أكبر مركز للتصنيع في أوروبا، بيد أن الأمر يحتاج إلى أكثر من حملة تسويق ماهرة لجذب المشاركين في المعرض لإقامة مشروعات في الهند. وعلى النقيض من ألمانيا (أو في الواقع اليابان والولايات المتحدة والصين) لم تكن الهند أبداً مركزاً رائداً للتصنيع – ولا حتى خلال سنوات الاشتراكية، ولا منذ تحول البلاد إلى اقتصاد السوق قبل أكثر من عقدين من الزمان. وعند هذه النقطة، استوحى «مودي» أفكاره بالنسبة لبرنامجه من التجربة الشرق آسيوية، خاصة صعود الصين لتصبح مصنع العالم. ونظراً لخوفه من الاقتصاديين العاملين، بنظام السوق الحر، فقد أوضح مودي أنه في حين كونه ليس اشتراكياً، إلا أنه أيضاً ليس رونالد ريجان أو مارجريت تاتشر. وهو لا يملك أي خطط لتكرار نموذج الخصخصة العنيفة للأنجلو – ساكسون أو التحرير الممتد للأسواق. إنه يؤمن بدور الدولة، كما كان الحال مع سائر القادة الآسيويين، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. والمشكلة مع النموذج الشرق آسيوي هو أن النجاحات الماضية اعتمدت بصورة كبيرة على دولة استبدادية تتخبط في سياسات صعبة قد تعزز التصنيع – وتتمثل في خفض الأجور، والاستحواذ على الأراضي والتخلي عن الموارد الطبيعية بأسعار رخيصة. إن ديمقراطية الهند الصاخبة لن تتيح لمودي مثل هذه السلطة غير المقيدة، كما تبين له. ومن ناحية أخرى، فإن نموذج ألمانيا (وبالأحرى غرب ألمانيا) الذي تم تشييده عقب الحرب يعطي الأولوية للمبدأ الذهبي لاقتصاد السوق الحر: المنافسة. فالحكومات الألمانية لم تتدخل عن طريق تشغيل الشركات (كما هو الحال في الصين أو الهند)، وإنما عن طريق إصدار اللوائح، التي تضمن المنافسة بدلاً من احتكارات القلة التي سادت كل الأسواق. أما في الهند، على النقيض من ذلك، فلا يزال هناك الكثير من العوائق أمام المنافسة، علاوة على غياب أو عدم اكتمال التنظيم في بعض القطاعات. ويزدهر نظام التصنيع الألماني على مستويين. والهند، أيضاً، لديها شبكة واسعة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مثل شركات «ميتلستاند» الألمانية، بيد أن هذه الشركات لم تصل إلى المستوى الأمثل للتشغيل، وتفتقر إلى الائتمان ولديها صلات قليلة بسلاسل الشركات ذات القيمة العالمية. إن مودي في حاجة إلى التركيز على رفع اللوائح التي تجبر مثل هذه الشركات على التشغيل بصورة تفتقر إلى الكفاءة، مثل تقديم الإعفاءات الضريبية. وقد يكون من الصعب بالنسبة للهند أن تكرار الهندسة الدقيقة لشركات صناعة السيارات الألمانية وغيرها من الشركات الكبيرة. ولكن من خلال فتح المزيد من القطاعات، مثل الدفاع، أمام الاستثمار الأجنبي، فقد يكون من الممكن الاستفادة من الخبرة التقنية، التي تتضح في قطاع تكنولوجيا المعلومات في الصناعة. وعلى أي حال، فإن الصناعة التحويلية الوحيدة التي تتم بإتقان في الهند هي صناعة مكونات السيارات، وذلك نتيجة لفتح هذا القطاع أمام الاستثمار الأجنبي المباشر. وتسلط ألمانيا الضوء على الحاجة إلى خلق بيئة شاملة لصنع القرار. فعلى سبيل المثال، عادة ما يكون للنقابات العمالية مكانتها في الشركات الألمانية، ولكنها تتصرف بمسئولية في مقابل هذه السلطة. وإذا ما تمكنت الهند من إحراز تقدم في إصلاح قوانين العمل أو الاستحواذ على الأراضي، فإن الحكومة تحتاج إلى موافقة العمال والفلاحين. وينبغي استشارة هذه الفئات بصورة أكثر فعالية مما عليه الحال الآن. والأهم هو تشكيل إجماع وطني حول مجموعة من السياسات، التي من شأنها خلق فرص العمل من خلال تعزيز التصنيع. ديراج نايار: صحفي مقيم في نيودلهي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»