توقفت الحرب في الشمال، ولم يعد ثمة حرب بين الدول الصناعية المتقدمة، ولا تهجم ألمانيا على النرويج، وروسيا على فنلندا، أو فرنسا على روسيا، فقد أصبحوا في 27 دولة بنعمة الاتحاد الأوروبي متحدين أليس كذلك؟ وحين نلقي الضوء على خريطة العالم، نرى الحرب في الشرق الأوسط لأنه لم يخرج من ظلمات القرون، ولو أنه يقاتل بتقنيات القرن الحادي والعشرين. أذكر جيدا كلمات جورباتشوف في كتابه البروستريكا أن العصر النووي يحتاج ذهنية جديدة في الوقت الذي مازال كثير من الناس يحملون عقلية الغابة والهراوة. يتابع الرجل ويقول كيف أنهت القوة القوة والحرب الحرب أن في بطن غواصة نووية واحدة من الطاقة النارية ما هو أكثر من كل النيران التي صبت على رؤوس العباد في كل الحرب الكونية؟ أنا أعترف أنني أبحث في جغرافيا فكرية، مثل من يريد اكتشاف قمر «يوربا»، الذي يدور حول المشتري، ويزعم أن جلده مدرعة جليدية بسماكة مائة كيلومتر. وهو الشعور الذي استولى عليّ عندما كنت أشرح للشباب موت مؤسسة الحرب. والحرب تشبه اليوم كائناً يختلج وينتفض، قبل تسليم الروح، مثل الانتفاضات التي تظهر بين حين وآخر هنا وهناك في العالم. والإدارة الأميركية اعترفت بظهور شيء جديد في العالم يختلف عن الحرب التقليدية؛ فالأخيرة سهل شنها، سريع الانتصار فيها، كما كانت ضد النظام الكرتوني في العراق، الذي انهار في أيام قليلة مثل كومة ملح، فاجأه سيل عرم. وأما الحرب الجديدة، مع الأشباح الجدد، فيسمونها الحرب الموازية، أي الحرب الذي تقودها أشباح، من تنظيمات شبحية سرية، مسلحة بالتكنولوجيا والمعرفة والمال. وأميركا تنسى مثلثاً خطيراً في فهمها، وهي علاقة (العدل - الأمن - الحريات). فبقدر تحقيق العدل، بقدر شعور الناس بالأمن، وبالمقابل بقدر الأمن، بقدر انطلاق الحريات في المجتمع. وعندما أقول إن الحرب فات وقتها، مثل موت كثير من المؤسسات، عندما يتطور الناس إلى شيء أفضل، مثل علاقة الانترنت بالفاكس، وعضلات العبد وعضلات الآلة، فهو قانون وجودي، حينما وصف القرآن، أن الزبد يذهب جفاء، وما يبقى هو ما هو أنفع ودوما.