لفتُ الانتباه في المقال السابق إلى «المسكوت عنه في الاتفاق الإطاري» مع إيران، وأكدت أن العنصر السياسي أهم من العسكري، وأن التفاهمات أهم بكثير من المعلن. أوضحت أيضاً أن ما تم حتى الآن ليس إلا إعلان مبادئ، وأنه يجب مواجهة المهمة الصعبة وهي ترجمة هذه المبادئ إلى إجراءات وخطوات محددة يلتزم بها الجميع، أي ترجمة المبادئ إلى تعهدات ملموسة وليست عموميات تخضع لتفسير هنا وهناك. فمثلاً قرار مجلس الأمن الشهير 242 لعام 1967 والذي تمت الموافقة عليه في نوفمبر 1967 لتسوية أزمة الشرق الأوسط لا يزال تفسير مضمونه محل خلاف: هل هو الإنسحاب من الأراضي المحتلة، كما يقول النص الفرنسي أو «الانسحاب من أراض محتلة» أي بعض هذه الأراضي فقط، كما يقول النص الإنجليزي. أي بالنسبة لاتفاق الإطار مع إيران، لا تزال هناك جولات وجولات من المفاوضات، وقد لا تكفي الثلاثة الشهور المطلوبة حتى يونيو لإعلان اتفاق نهائي ومحدد، بل قد تطول المدة أكثر بكثير. السؤال الأهم إذاً ماذا تفعل دول الخليج وحلفائها في المنطقة: مصر، الأردن، المغرب في هذه الأثناء؟ باختصار شديد يجب أن تشارك هذه الدول في هذه المفاوضات، مادياً أو حتى افتراضياً، أي يكون ممثليها مشاركين حول مائدات المفاوضات، أو- إذا تعذر ذلك- أن يتم إبلاغها والتشاور معها أولاً بأول عن البنود المختلفة، وبطريقة موثقة، أي ليس شفوياً ولكن عن طريق تعهدات وتفاهمات مكتوبة، ويكون التواصل ليس فقط مع واشنطن ولكن مع عواصم الدول الخمس الأخرى، وحتى مع إيران في مرحلة ما، لتكون النتيجة محل توافق عام. ولكي نصل إلى هذه النتيجة، وكي يتم أخذ مطالب الخليج مأخذ الجد، هناك عمل مهم يجب القيام به دون أي تأخير: إعداد ورقة عمل واضحة عن هذه المطالب تمثل كل دول الخليج وشركائهم. مثلاً من المتفق عليه أنه بمجرد إبرام الاتفاق النهائي، سيتم رفع العقوبات المفروضة على إيران، وحتى استرداد بعض الأموال المفروض عليها الحظر في البنوك. أي أن القدرة المالية والاقتصادية لإيران ستزداد بين ليلة وضحاها. السؤال إذن لطهران: هل سيتم ترجمة زيادة هذه الإمكانيات إلى مزيد من الدعم لأنظمة تحت الحصار مثل بشار الأسد في سوريا، أو جماعات خارج العمل العربي المشترك مثل «الحوثيين» في اليمن أو «حزب الله» في لبنان وما يتعداها؟ هذا مثل واحد، ولكن هناك أمثلة أخرى للتفاوض بشأنها فيما يتعلق بالسلوك الإيراني وأحوال المنطقة «فيما بعد الاتفاق». ويا حبذا أن يشترك في إعداد هذه الورقة المراكز البحثية وبنوك التفكير ذات المصداقية التي يزداد عددها الآن في المنطقة من الإمارات إلى السعودية إلى الأردن، إلى مصر، بل تستطيع هذه المراكز وضع إمكانياتها معاً لاقتراح السيناريوهات أو المشاهد المختلفة لمباحثات إيران مع الدول 1+5، واقتراح المطلوب من دول الخليج بطريقة واضحة وإجرائية. قد تكون المنطقة بأسرها على عتبة تغير كبير في سياساتها وتفاعلاتها مع الخارج، ولا يجب تشكيل هذه المرحلة الجديدة- إذا تمت في القريب العاجل- دون أن يكون الخليج فاعلاً نشطاً فيها وليس مفعولاً به.